فأَصلُ التكلم مِن آيات الله العظيمة ، وهذا التنوع في اللغات آيةٌ عظيمةٌ اخرى ، وكلاهما يعتبر من خصائص خلقةِ البشر.
من الممكن أن تنطقَ بعضُ الطيور عن طريق التعليم المتكرر عبارات جذابة ، ولكن ـ ممّا لا شك فيه ـ أنّ عَمَلَها ليس إلّاتقليد لالفاظٍ محدودةٍ صادرةٍ عن الإنسان من غير ادراكٍ لمفاهيم هذه الالفاظ ، فالانسانُ وحدهُ الذي يستطيع ـ بنحوٍ غير محدودٍ وبادراك تام ـ أن يكوِّنَ جُمَلاً ويصب فيها مفاهيم مختلفةً ويعّبر عنها.
وفي «توحيد المفضل» ، يلفتُ الإمام الصادق عليهالسلام النظر إلى هذه الآية العظيمة ، حيث يقول عليهالسلام للمفضل : «... اطِلَ الفكر يا مفضل في الصوت والكلام وتهيئة آلاته في الإنسان ، فالحنجرة كألانبوبة لخروج الصوت ، واللسان والشفتان والاسنان لصياغة الحروف والنغم ، الم تر أن من سقطت أسنانه لم يقم السين ، ومن سقطت شفته لم يصحح الفاء ، ومن ثقل لسانه لم يفصح الراء ، وأشبه شيء بذلك المزمار الأحمر ....» (١).
ثم يشرحُ الإمام عليهالسلام تفاصيلَ ذلك للمفضل ويدعوه إلى التفحص بهذا الأمر.
* * *
وفي الآية السابعة والأخيرة من بحثنا ، يخاطبُ تعالى الرسولَ صلىاللهعليهوآله ويأمُرُهُ : (فَذَكِّرْ إِنَّمَا أنْتَ مُذَكِّر) ، فقد يكون المقصود من «التذكير» إشارة إلى أن حقائق هذه العلوم والمعارف وخلاصتها موجودة في وجدان وروح الإنسان طبقاً للهداية الإلهيّة ، ثمَّ تتفتحُ هذه العلوم في ظل تعاليم الأنبياء والرُسل (عليهمالسلام) ، حيث تخرج من مرحلة «الخفاء» إلى مرحلة «الظهور» ، ومن «الاجمال» إلى «التفصيل» ومن «الباطن» إلى «الظاهر».
وقد وردت هذه الآية أربعُ مراتٍ في القرآن الكريم في سورة القمر عند بيانِ وقائعِ قومِ «فرعون» و «عاد» و «ثمود» و «لوط» حيث يقول تعالى : (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرآنَ لِلذَّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُّدَّكِرٍ). (القمر / ١٧ ، ٢٢ ، ٣٢ ، ٤٠)
__________________
(١) بحار الأنوار ، ج ٣ ، ص ٧١.