أعمالهم إلى ثلاث وجبات يومياً ، فتتضح الحاجةُ إلى النوم في النهار أكثر من أيِّ وقتٍ آخر.
والآن .. فلو لم يكن برنامج تنظيم النوم بيد الإنسان ، ولم يتيسر النوم نهاراً بدلاً عن الليل ، فمن المسلَّم به أنّ مشكلاتٍ كبيرةً ستعترضُ حياته.
* * *
وفي الآية الثانية بعد ذكر : (هُوَ الَّذِى جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاساً) يشيرُ إلى مسألة النوم حيث يقول تعالى : (وَالنَّوْمَ سُباتاً).
ومن الممكن أن يكون تعبير «هو الذي» إشارة إلى الجانب التوحيدي لهذه الامور ، فكلٌ منها دليلٌ على الذات المقدّسة ، أو جانبِ الانعامِ كي يعرفَ الإنسانُ وليَّ نعمتِهِ ، ومن المسلَّم به أن الإشارة إلى وليَّ النعمة ستكون مقدمةً لمعرفته أيضاً.
واللطيف أنّه يقول بعد ذلك : (وَجَعَلَ النَّهارَ نَشُورَاً) (١).
أجَلْ ... ففي وضح النهار تنتشر الروحُ ويستيقظ الإنسانُ بشكلٍ كامل ، إذ لا يخلو من شَبَهٍ بنشورِ يوم القيامة والحياة ما بعد الموت.
وهذا الاحتمالُ ممكن أيضاً ، حيث يشير إلى انتشار الناس في ميدان الحياة وحركتهم نحو مقاصدهم المعاشيةِ المختلفة ، وبهذا فانَّ أجراس النوم والراحةِ تقرع مع حلول الظلام ، وتدق هذه الأجراس في النهوض مع بزوغ الشمس.
وفي الآية الثالثة تكرَّرَ هذا المعنى باختصارٍ طفيف إذ يقول : (وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتاً* وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاساً) ، فكما يصونُ اللباسُ الإنسانَ من الاخطار ويكون له دوراً في سلامته فانَّ ظلامَ اللَّيل له مثل هذا الأثر.
* * *
وفي الآية الرابعة والأخيرة في هذا البحث ، وحينما يتحدث القرآن الكريم عن وقائع غزوة بدر يشير إلى أنَّ احدى نِعَمِ الله على المؤمنين في تلك الليلة التاريخية كانت (اذْ
__________________
(١) تأملوا جيداً أنَّ «النشور» معنى لمصدر ، و «السُبات» معنى لمصدرٍ أيضاً أو اسمٌ مصدريٌ ، واطلاقهما على الليل والنهار يفيد المبالغة والتأكيد.