تعالى في كلِّ مكان من السماء ، فهم يجدون في خلق كلِّ منظومةٍ ، وكلِّ مجرَّة ، وفي حركاتها المنظَّمةِ العجيبةِ أسراراً لم يجدها سوى اولي الألباب.
وما يلفت النظر انّهُ ذُكر في الآية الثانية (قَوْمٌ يَعْقِلُوْنَ) بدلاً من (اولى الأَلْبَابِ) ، وفي الآية الثالثة «عالِمين» ، والرابعة والخامسة «مؤمنين».
وفي الحقيقة ، كما ورد من تفصيل سابقٍ في بحث «مصادر ومجالات المعرفة» في المجلد الأول من هذا التفسير فانَّ كلاً من الميزات أعلاه (الالباب ، التعقل ، العلم ، والإيمان) تعتبر أرضيةً مناسبةً للمعرفة والاطلاع بشكل أكثر عن آيات الله.
وهذه مسألةٌ جديرةٌ بالاهتمام حيث يصف القرآنُ الكريم (اولى الألْباب) الذين تُفتَحُ أمامهم أبوابُ معرفةِ الله من خلال مشاهدة خلق السماوات والأرض إذ يقول تعالى : (الَّذِيْنَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَامَاً وَقُعُوداً وَعَلىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِى خَلْقِ السَّمَواتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً). (آل عمران / ١٩١)
أي أنّ ذكر اللهِ أولاً ، والتفكُّر ثانياً ، والتأمل في الهدف من الخلق ثالثاً ، يُدّلُهمْ كل ذلك على عظمة الخالق جلّ وعلا.
وعلى هذا الأساس فإنّ تلكؤ علماء الطبيعة في معرفة الله سبحانه وتعالى بالرغم من معرفتهم لدقائق الأمور في هذا الوجود يعود إلى أنّهم اعتمدوا في بحوثهم على دراسة المعلول والمخلوق ولم يهتموا بدراسة علة العلل وخلق الوجود والهدف من الخلق.
* * *
وكما في الآية الاولى فقد وردت مسألة خلق السماوات والأرض في الآية الثانية ، إلى جانب اختلاف الليل والنّهار ، أي مجيء وذهاب الليل والنهار (أو اختلافهما التدريجي على مدى فصول السنة) ، حيث يمثل ذلك إحدى الظواهر البارزة في السماوات والأرض ، إذ يسود النظام الدقيق هذه الظاهرة منذ أزمنة طويلة ، ويمكن تحديد لحظة شروق الشمس وغروبها قبل حصولهما ، والحدود الدقيقة لليل والنّهار في كل فصلٍ وكلَّ زمانٍ من السنة ،