خلق السماوات والأرض ، أو إشارةٌ إلى ما يُعرفُ اليوم لدى علماء الفلك حيث إنّ جميع هذه الأجرام والمنظومات كانت في اليوم الأول على هيئة مجموعةٍ كبيرة مرتبطة ببعضها ، وانفصلت عن المركز نتيجة لحركتها حول نفسها وبتأثير القوة الدافعة لها عن المركز ، والقت بقطعٍ منها إلى الخارج وظهرت المنظومات والمجرّات الثابتة والسّيارة (١).
على أيّة حال ، سواء كان المشركون هم المخاطَبون في هذه الآية أو منكرو وجود الله تعالى ، أو كلاهما ، فانّه يستفاد من هذه الآية الكريمة هذه الحقيقة ، وهي أنّ الَّتمعنَ في خلق السماوات والأرض يكفي لأنّ يقتلع كُلُّ نوعٍ من أنواع الشك والريب في وجود الله ووحدانيته وقدرته من قلب الإنسان.
* * *
ويشير في الآية العاشرة إلى خاصّية اخرى من خصائص السماء والأرض إذ يقول تعالى : (وَالسَّمَاءَ بَنَيْناهَا بِأَيْيْدٍ).
فمن المسلَّم بهِ أنّ خلقَ مثل هذه العوالم الجبّارة يستلزم قدرةً مناسبةً له ، وهي قدرة الباري عزّ وجّل وحدها.
ويضيف فيما بعد (وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ).
وبالرغم من أنَّ بعض المفسّرين اعتبروا ذلك بمعنى توسعةِ الرزق عن طريق هطول المطر وغيره (٢) لكن يبدو أنّ للآية معان بالغة الأهمية والدقّة ، حيث اتّضح ذلك لعلماء عصرنا الحاضر ، وقد اميط اللثام عن معجزة من المعجزات العلمية للقرآن ، وهي أنّ العالم في حال اتساع وبصورة مستمرة ، وأنّ النجوم والمجرات والأجرام تبتعد عن بعضها بشكل سريع.
__________________
(١) يقول الراغب في المفردات : «فَطْر» على وزن «سَتْر» أي الشَّقُ طولياً ، ثم جاءت بمعنى الايجاد والإبداع ، و «فِطْر» (على وزن مِتْر) تعني الافطار وترك الصيام ، وكأنَّ الصيام ينفطر ، (والفطرة تعني الخلقة وهي مأخوذة من هذه المادة أيضاً).
(٢) وقد فسَّر بعض المفسرين لفظة (موسعون) بمعنى (قادرون) أيضاً ، لأنّه مفردة (الوسع) تأتي أحياناً بمعنى «القدرة» ، أمّا مفهوم «التوسيع» فهو أوضح.