وكل هذه الدوافع ادّت إلى أن يقولَ القرآن الكريم في نهاية هذه الآية : (يُفَصِّلُ الآياتِ لِقَومٍ يَعْلَمُونَ).
والحديث في الآية الثالثة والرابعة عن تسخير الشمس والقمر للإنسان : (وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ والْقَمَرَ).
بَيْدَ أنَّهُ عبَّر في الآية بكلمة (دائبَيْن) أي (الحركة وفقاً لسُنَّةٍ ثابتةٍ) (١) وفي الاخرى ورد تعبير (كُلٌ يَجْرِى لِأَجَلٍ مُّسمّىً) أَيْ «إنَّ كُلاً منهما يستمر في حركته إلى حدٍ مُعيَّنٍ».
وهذه الجملةُ تشيرُ إلى أنّ حركةَ الشمس والقمر ستنتهي على المدى البعيد ، ويتغير نظام المنظومة الشمسية بعد ملايين السنين ، وهذا بحد ذاته أحد المعجزات العلمية للقرآن الكريم.
وفي الحقيقةِ أنّ المقصود بحركة الشمس هو دوران الأرض حول الشمس طبعاً ، لأنّ ما يظهر للعيان أنّ الشمس هي التي تتحرك ، حيث إنَّ الأرض في الواقع هي التي تُوجدُ هذا الشعور لدى الإنسان ، إذ إنّ الشَّمسَ تتحرك باستمرار مع المنظومةِ الشمسية داخل المجرّات ، وسوف نشير إلى ذلك لاحقاً.
والمقصود بتسخير الشمس والقمر وبقية الكائنات التي يعتبرُها القرآن الكريم مسخَّرَةً للإنسان ، هو أنّها تتحرك في مجال مصالح الإنسان وخدمته ، فكما قُلنا سابقاً أنّ لضوءِ الشمس والقمر دوراً مهماً في حياة الإنسان وكافة الكائنات الحيّة ، لا سيما ضياء الشمس إذ تستحيلُ الحياةُ على سطح الأرض بدونه لحظةً واحدةً ، وحتى في الليالي المُظلمة فاننا نستفيدُ من الحرارة المتبقية عن ضوة الشمس في الأرض والجو ولولاها لانجمدت الكائنات الحيَّةُ بأسرها ، إضافةِ إلى الفوائد الاخرى كالمدِّ والجَزرِ في المحيطات ، فهو مصدرٌ للكثير من الخدمات ، وسنشير إلى ذلك في بحث آياته في البحار ـ إن شاء الله ـ ، وكذلك وضع تقويمٍ طبيعي وخدمات اخرى.
__________________
(١) «دائبين» من مادة «دؤوب» وتعني استمرار العمل وفقاً لعادةٍ وسُنَّةٍ دائمةٍ وهو تعبيرٌ للحركة المنظمة والمتَسّعةللشمس والقمر ، ولا يُعتقدُ بوجودِ تعبيرٍ أفضلَ من هذا التعبير.