وبلا شك فإنّ ما نعرفه اليوم من بركاتِ الشمس والقمر أكثر ممّا كان يعرفه السالفون والمخاطَبون بهذه الآيات عند نزولها ، ولهذا فانَّ دروس التوحيد التي نقرأها على صفحاتها أكثر ممّا كان يقرأُه السابقون ، لهذا يقول في نهاية هذه الآية : إنّ ربَّكُم هو الذي سخَّر لكم كلَّ هذه الموجودات ، أمّا الذين تدعونَ من دونه فهم لا يملكون الحكمَ والمُلكَ في هذا العالم بقدَرِ قشرةِ نواة التمر : (وَالَّذِينَ تَدْعُوْنَ مِنْ دُوْنِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيْرٍ) (١).
* * *
وقد عبرت الآية الخامسة بصراحةٍ عن خلقِ الليل والنهار والشمس والقمر ووصفت هذه الظاهرة بأنَّها من آياته ، إلّاأنَّهُ يأمُرُ في نفس الوقت بضرورة عدم الاعتقاد بانَّ هذه هي الإله كما يتصور عبدة الشمس والقمر .. كلا .. : (لَاتَسْجُدُوْا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِى خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُوْنَ).
وهنا نرى الدقة التي يتحدث بها القرآن الكريم ، إذ إنّ ذكر القوائد المختلفة للشمس والقمر والليل والنهار وكافة الموجودات في هذا العالم من شأنه أن يترك أثراً في أذهان ذوي العقول الضيقة ويتصورون بأنّهم مدينون للنعم التي اسبغتها عليهم هذه الموجودات فيسجدون لها ويخضعون ويعظمونها ، وهذا ما ابتلى به الوثنيون على مر التاريخ ، لكن القرآن يقول لهؤلاء : افتحوا أعينكم جيداً وانظروا بدقّة وتبحر ، وعندها سترون من وراء الحجب العلل ، وسترون الذات القدسية لعلة العلل وعندها سوف تعفرون جباهكم بالسجود إليه وسوف لن تخدعكم أو تضلكم هذه المظاهر.
* * *
ويتحدث في الآيتين السادسةِ والسابعةِ عن حركة الشمس والقمر ومنازلهما ، ويصرَّحُ
__________________
(١) «القطميرُ» ، بتعبير بعض المفسِّرين هو القشر الخفيف الذي يغطي نواة التمر ، ويقول البعض إنّه النتوء الصغير الموجود خلف نواة التمر ، وعلى اية حالٍ فهو كنايةٌ عن موجودات متصاغره ودنيئة.