في نهاية هاتين الآيتين بأن كلاً من هذين الجُرمين يسبح في فلكهِ ومداره وخطه : (وَكُلٌّ فِى فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) (١) ، وهذه التعابير من عجائب القرآن من ناحيةٍ ، ومن عجائب عالم الخلقِ وعلمِ وقدرةِ البارى تعالى من ناحية اخرى.
وتوجد هنا عدةُ تفاسير لما تَعنيه جملة (وَالشَّمْسُ تَجْرِى) ومفهوم (لِمُسْتَقرٍ لَهَا).
اولها : إنّ المقصودَ هي الحركة الظاهرية للشمس التي تبدأ منذ شروق الشمس وحتى استقرارها عند الغروب ، حيث يظهر للعيان أنّها تختفي (ونعلمُ جيداً إِنَّ حركة الأرض حول نفسها هي التي تُجسدُ لنا مثل هذه الظاهره في الواقع).
الثاني : إنّ المقصود هي حركات الشمس المحورية ، حيث تنحرف نحو الجزء الشمالي للكرة الأرضية مع بداية فَصل الربيع ، وتستمر هذه الحركة حتى بداية فصل الصيف حيث تستقر (في النصف الشمالي للكرة الأرضية) محاذية لمدار السرطان ٢٣ شمالاً وهو ما يصطلح عليه بالميل الاعظم الشمالي ، ثم تبدأ حركتها نحو الجنوب وتصل إلى محاذاة خط الاستواء أوائل فصل الخريف ، ثم تنحرف نحو جنوب الكرة الأرضية ، وتستمر هذه الحركة حتى بداية فصل الشتاء حيث تصل إلى محاذاة مدار رأس الجدي ٢٣ جنوباً ويعبّرون عن هذا الانحراف بالميل الأعظم الجنوبي ، ثم تبدأ حركتها نحو الشمال وتكون بمحاذاة خط الاستواء في فصل الربيع.
بناءً على ذلك فانَّ المقصود من جريان الشمس هو هذا الانحراف نحو الشمال والجنوب ، والمقصود من المستقر هو آخر نقطةٍ للانحراف الجنوبي والشمالي أي (مدار رأس السرطان ومدار رأس الجدي).
والمعروف (طبعاً) أنّ هذه الحركةَ ناتجةٌ عن دوران الأرض حول الشمس ومع الأخذ بنظر الاعتبار انحراف محور الأرض بمقدار ٢٣ ، ولكن ما يبدو لنا هو أنّ الشمس لها مثل هذه الحركة.
الثالث : المقصود هو الحركة الموضعية للشمس حول نفسها ، فقد ثبت اليوم أنّ الشمس
__________________
(١) «يسبحون» من مادة «سباحة» وتعني الحركة السريعة في الماء أو الهواء (مفردات الراغب).