وبغض النظر عن كون الغيوم هي السبب في هطول الأمطار ، فإنّ الغيوم لوحدها تعتبر ظاهرة عجيبة أيضاً ، لأنّها تحتفظ ببحارٍ من المياه وهي معلقةٌ بين الأرض والسماء (١).
* * *
وتستَند الآية السادسة إلى مسألة مياه شرب الإنسان ، وتذكر موضوعاً جديداً حيث تقول : (أَفَرَأَيْتُم المَاءَ الَّذِى تَشْرَبُون* أَأَنْتُمْ أنزَلُتمُوهُ مِنَ المُزْنِ أَمْ نَحنُ المُنْزِلُونَ)؟ ثم يضيف تعالى : (لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ) فلو أنَّ ماء البحر يصطحبُ أثناء تبخره إلى السماء ذرّات الأملاح الصغيرة ، وتنزلُ المياه المالحة والمرَّة من الغيوم لتحولّت الأرضُ إلى مملحةٍ ، فلا ينمو نباتٌ ، أو شجر ، وإذا أراد الإنسان أن يدفع الموت عنه أثر العطش لم يستطع أن يتجرع شربة من هذا الماء أبداً.
إنّ القدرة التي جعلت الماء يتبخر والأملاح الموجودة في مياه البحار تبقى في مكانها ، هذه العملية التي أثرت على حياة الإنسان وغيرت مجراها بل أثرت على أوضاع كل المخلوقات على وجه الكرة الأرضية ، هل يستطيع الإنسان أن يشكر هذه النعمة طيلة بقائه حياً في هذه الدنيا؟
وكما قلنا فإنّ «المُزْن» تعني الغيوم الممطرة و «الأجاج» تعني الماء الشديد الملوحة أو المرارة.
* * *
وأشار في الآية السابعة إلى هِبَتَين عظيمتين اخريين من هِبات الله إلى عباده وهما : هبة الهداية في ظلمات البر والبحر «بواسطة النجوم» ، وهبة ارسال الرياح كمبشِّراتٍ قبل نزول أمطار رحمته ، فحيثما تنزلُ الأمطار تصدحُ الحياة بنغماتها وتكون أساساً لأنواع الخير والبركة.
__________________
(١) يجب الانتباه إلى أنّ السحاب : البخار المتراكم وتسميه العرب (ضباباً) ـ بالفتح ـ مالم ينفصل من الأرض فإذا انفصل وعلا سُمّي (سحاباً وغيما وغماماً) ، (تفسير الميزان ج ١ ، ص ٤١١).