ثانياً : ثم تشير الآية إلى المواد المستعملة للزينة المستخرجة من أعماق البحار والمستخدمة من قبل البشر وتقول : (وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا).
أي أنّ الله وفر لكم أكثر المواد الغذائية ضرورةً بالإضافة إلى الحاجات ذات الطابع التجميلي الصرف.
ثالثاً : وفي المرحلة الأخيرة تشير الآية إلى واحدة أخرى من بركات البحار التي كان لها دور مؤثر جدّاً في حياة البشر حتى في يومنا الحاضر ، وهي استخدام البحر كطريق كبير وواسع ومتصل لحمل ونقل أنواع الأمتعة التي يحتاجها الناس في السفر ، ومع الأخذ بنظر الاعتبار أنّ حوالي ٧٥ بالمائة من وجه الأرض مغطىً بالبحار التي تصل إلى كل نقاط العالم ، وأنّ قسماً كبيراً من البضائع والمواد الضرورية تنقل عن هذا الطريق ، وأنّ قسماً كبيراً من الأسفار يتمّ من خلال هذا الطريق ، ومن هنا تتضح أهميّة هذا الموضوع.
يقول عزوجل : (وَتَرَى الفُلْكِ مَوَاخِرَ فِيهِ).
ثم يضيف في النهاية : (لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ).
وبهذا جعل الالتفات إلى هذه النعم أيضاً وسيلة لإحياء روح الشكر وبالتالي اكتساب المعرفة بالله ، وإلّا فما حاجة الله إلى شكرنا؟ كل هذه ذرائع إلى معرفة ذاته وصفاته والحركة نحو هذا الكمال المطلق.
والجدير بالذكر أنّ «مواخر» هي جمع «ما خرة» من مادة «مخر» (على وزن فخر) ، وهذه المادة كما يستفاد من محصلة كلمات أرباب اللغة والمفسرين بمعنى الشق والخرق ، كشق «أمواج الماء» بصدر السفينة ، أوشق «أمواج الرياح» بواسطة الوجه والأنف والتقدم نحو الأمام ، أو شق الأرض لأجل الزراعة.
ولأنّ هذه الأمور غالباً ما تكون مصحوبة بالصوت فقد اطلقت هذه المفردة على صوت هبوب الرياح الشديدة أيضاً (١) ، إنّ كل حياة الإنسان والعالم تعتريها موانع يجب على
__________________
(١) تفسير الكبير ، ج ٢٠ ، ص ٧ وقد جاء نفس هذا المعنى في تفسير روح المعاني والقرطبي تذييلاً للآية المنظورةفي بحثنا.