وفي الآية الثالثة يوجه اللوم والتوبيخ للمشركين في آيات التوحيد فيقول :
(أَوَلَمْ يَرَوْا الىَ مَا خَلَقَ اللهُ مِنْ شَىءٍ يَتَفَيَّؤا ظِلَالُهُ عَنِ الْيَمِيْنِ وَالشَّمائِلِ سُجَّداً لِّلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ) (١).
أيٌ تعبيرٍ لطيفٍ هذا؟ فقد خضعت الظلالُ بأسرها وسجدت أمام ذاته المقدّسة ، لأنّها مُسَلِّمةٌ لأمرِهِ وهذا التسليم والخضوع أمام قوانين الخالق هو سجودها لحضرته تعالى.
فكيف يتضاءل الإنسان أمام الظلال ، ويسجدُ للأصنام ، ولا يسجدُ للخالق جلَّ وعلا؟!
إنَّ سجودَ الظِّلالِ جزءٌ من سجود كافة الكائنات في السماء والأرض ، ولهذا فقد أشار في سياق هذه الآية إلى هذا السجودِ العام ، فقال : (وللهِ يَسْجُدُ مَا فِى السَّمواتِ ومَا فِى الأَرْضِ مِنْ دابَّةٍ).
وهنا سُتطرحُ بحوثٌ مفصلّة خلال بحث السجود العام لموجودات العالم أمام الباري عزوجل ، على أيّةِ حالٍ ففي هذه الآيةِ إشارة لطيفة إلى أهميّة الظلال وآثارها حيث تصلح كمصدرٍ لإلهام التوحيد.
* * *
وفي الآية الرابعة يضع الظّلال في جُملة موجودات السماء والأرض التي تخضع وتسجدُ لله تعالى ، فيقول : (وَللهِ يَسْجُدُ مَنْ فِى السَّمَوَاتِ وَالأَرضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ والآصَالِ).
وربّما يكون التعبير بـ «طَوْعاً وَكَرْهاً» إشارة إلى تسليم الموجودات العاقلة وذات الاحساس رغبةً وطوعاً ، وإلى تسليم الموجودات غير العاقلة كالظلال للأوامر الإلهيّة فتسجد قوانين الخلق الاجبارية.
__________________
(١) «يَتَفَيَؤا» من مادة «فيء» وتعني العودة والرجوع ، ويحصرها بعض أرباب اللغة بمعنى ظلال الأشياء حين عودة الشمس عصراً ، واطلاقها على غنائم الحرب يعود إمّا بسبب رجوع المسلمين بها ، أو زوالها أو فنائها النهائي كالظلال ، و «داخر» تعني المتواضع.