تستمر يوماً واحداً ، فضلاً عن ابتعادها عن متناول يد الإنسان ، في حين أنَّ طفلاً صغيراً باستطاعته اقتطاف جميع الثمار في بساتين العنب.
ثم يضيف مستنداً إلى أربعة أنواعٍ من الثمار والزرع : (وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفاً اكُلُهُ والزَّيْتُوْنَ وَالرُّمَانَ مُتَشابهاً) ، لابدّ من الانتباه إلى أنّ «جنات» جمع «جنّة» تُطلقُ على البستان ، وعلى الأراضي التي يغطيها الزرع ، و «اكُل» على وزن «دُهُل» من مادة «أَكْل» على وزن «مَكْر» وتُطلق على جميع المأكولات.
على أيّة حالٍ ، فالأشجار والزروع والنباتات لا تختلف كثيراً من ناحية الظاهر فقط ، بل إنّ ثمارها ومحاصيلها تتفاوت للغاية أيضاً ، من حيث اللون والطَعَم والشكل الظاهري ، وكذلك من حيث ما فيها من مواد غذائية وخصائص متنوعة ، اضافة إلى أنَّ منها المرغوب والمتوسط ، وهذا بيان لقدرة الخالق جلَّ وعلا الذي أوجَدَ مثل هذا التنوع العظيم الواسع في عالم النباتات ، وكلُّ نوعٍ يُسَبِّح بحمده وثنائه.
وفي نهاية الآية يُصدرُ أَوامره : (كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وآتُوا حَقَّه يَومَ حَصَادِهِ وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَايُحِبُّ المُسرِفِيْنَ).
وعليه فانَّ الأمرَ بـ «كُلوا» دليل على حليّتها الكاملة ولكن بشرطين : الايفاء بحقوق المحتاجين ، وعدم الاسراف.
وبالرغم من أنَّ بعض المفسرين قالوا إنَّ المقصود بـ «حقّ» هنا هو الزكاة ، إلّاأنَّ أغلبَ المفسرين واستلهاماً من الروايات الواردة عن طريق أهل البيت عليهمالسلام وأهل السُّنة ، صرَّحوا بأنَّ المقصود بهذا الحق ليس الزكاة (١).
بناءً على ذلك لابدّ أن يُخصصَ أصحابُ المزارع والبساتين نصيباً للمحتاجين أثناء قطف الثمار ، وحصاد المحاصيل كحكمٍ إلهيٍّ ، وهذا النصيب ليس له حدٌ معينٌ في الشرع ، بل يتعلق بهمّةِ المالكين. وعليه فإنّ ذيل الآية تتحدث عن حكمٍ أخلاقي وصدرها يشتمل على دورس توحيدية.
__________________
(١) يُراجع سنن البيهقي ، ج ٤ ، ص ١٣٢ ؛ ووسائل الشيعة ، ج ٦ كتاب الزكاة «أبواب زكاة الغلات» ؛ وتفسير الميزان ؛ ؛ وتفسير القرطبي فيما يخص الآية.