قشور صلاب على رؤوسها مثال الأسنة من السنبل ليمنع الطير منه ليتوفّر على الزراع ... تأمل الحكمة في خلق الشجر وأصناف النبات فانّها لما كانت تحتاج إلى الغذاء الدائم كحاجة الحيوان ولم يكن لها أفواه كأفواه الحيوان ولا حركة تنبعث بها لتناول الغذاء جعلت اصولها مركوزة في الأرض لتنزع منه الغذاء فتؤديه إلى الاغصان وما عليها من الورق والثمر فصارت الأرض كالأم المربية لها وصارت اصولها التي هي كالأفواه ملتقمة للأرض لتنزع منها الغذاء كما يرضع أصناف الحيوان امهاتها.
تأمل يا مفضل خلق الورق فانك ترى في الورقة شبه العروق مبثوثة فيها أجمع ، فمنها غلاظ ممتدة في طولها وعرضها ، ومنها دقاق تتخلل الغلاظ منسوجة نسجاً دقيقاً معجماً لو كان ممّا يصنع بالأيدي كصنعة البشر لما فرغ من ورق شجرة واحدة في عالم كامل ولاحتيج إلى آلات وحركة وعلاج وكلام فصار يأتي منه في أيام قلائل من الربيع ما يملأ الجبال والسهل وبقاع الأرض كلها بلا حركة ولا كلام إلّابالإرادة النافذة في كل شيء والأمر المطاع».
ثم أشار الإمام عليهالسلام في سياق هذا الحديث إلى عجائب الثمار والنّوى ، وموت وحياة النباتات في كل عام ، وتلقيح وحمل الأجزاء الانثوية عن طريق الالتحام مع الأجزاء الذكورية ، وكذلك أدوية العلاج التي تستخلص من أصناف النباتات ، والحبوب والنباتات التي يُعتبر كلٌ منها غذاء لأحدِ الحيوانات ، وقدَّمَ شرحاً لطيفاً حول كلٍّ منها ، حيث إنّ ذكرها جميعاً لن يكون ممكناً ، وبمقدور الراغبين مراجعة الحديث أعلاه (١).
نضطرُ هنا إلى طي هذا البحث الطويل ونختمه ببعض الابيات من الشعر التوحيدي الأصيل ، فلو اطلقَ عنانُ العلمِ فيجبُ تأليفُ كتب عديدة ، في هذا المجال يقول الشاعر نقلاً عن الفارسية :
إنَّ جميع خلقِ اللهِ انذارٌ للقلب |
|
ليس له قلبٌ من لا يُقرُّ بالله |
فالجبال والبحار والأشجار كلُّها تسبِّحُ |
|
ولا يفهمُ كلُّ مستمعٍ هذه الأسرار! |
__________________
(١) بحارالأنوار ، ج ٣ ، ص ١٢٩ ـ ١٣٦ «مع الاختصار».