جمع الآيات وتفسيرها
الكل يتنعم بهذه المائدة عدواً كان أم صديقاً :
لقد قلنا مراراً أنَّ مشركي العرب لم يعتبروا الأصنامَ كخالقٍ لهم أبداً ، إلّاأنّهم كانوا يعتقدون أنَّ الاوثان لها يدٌ في تدبير هذا العالم وحل مشكلات الناس فيبذلون العطاء لها ، لهذا يعتبرونها شفيعةً لدى الله ، أو بسبب إناطة مسؤولية تدبير العالم في هذه الجوانب لها. لذلك فقد تمّ التأكيد في الآيات القرآنية المذكورة على هذه المسألة بتعابير مختلفة من أجل رد هذه العقائد الخرافية ، والتأكيد بأنَّ الخالقَ والرازقَ واحدٌ ، وجميع أنواع الأرزاق تأتي من ناحيته.
من البديهي إذا ما دُعيَ الإنسان إلى مائدةٍ وكان فيها من الأطعمةِ ما لذَّ وطابَ ، أن يتقدمَ بالشكر قبل كل شيء إلى صاحب هذه النِعَم ، لذلك فهو يذهب وراء صاحب تلك المائدة لمعرفته ، فهلْ هناك مائدةٌ أوسعُ من مائدة الخالق؟ وهلّا يجب معرفة صاحب هذه المائدة التي يتنَعمُ بها العدو والصديق؟ وتقديم الشكر له لعطاياه التي غَمَرْتنا ظاهراً وباطناً من أعلى رؤوسنا وحتى أخمص أقدامنا؟
بناءً على ذلك فانَّ أهمَّ الدوافع «لمعرفة الله» وكذلك أحد الطرق لمعرفته هي هذه الأرزاق.
لذلك خاطبَ القرآن في أول آية من البحث كافةَ النّاس قائلاً : (يَا أيُّها النَّاسُ اذكُروا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ).
(هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالأَرْضِ).
فهو يُرسلُ لكم من السماء نور الشمس الذي يهبُ الحياة ، وقطرات المطر التي تُحيي الأرض ، والنسيم الذي يُنمي الأرواح ، ومن الأرض يُنبتُ لكم أنواع النباتات والفواكه والمواد الغذائية ، وفي باطنها أنواع المعادن والثروات.
مع هذا يجب أنْ تعرفوا أنْ لا معبودَ سواه ، وهو وحده الجدير بالعبادة ، فكيف تنحرفون عن الصراط المستقيم وتجعلون هذا الخالق العظيم واهب الرزق وراء ظهوركم ، وتسجدون