قائمة الکتاب
الکل ینتعم بهذه المائدة عدواً كام أم صديقاً
٢٧٦
إعدادات
نفحات القرآن [ ج ٢ ]
نفحات القرآن [ ج ٢ ]
المؤلف :آية الله ناصر مكارم الشيرازي
الموضوع :القرآن وعلومه
الناشر :مدرسة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام
الصفحات :384
تحمیل
الإرادة الممتزجة مع الحكمة وإلّا ليس لله مشيئةٌ بدونِ حكمه سواء كان هنا أم في باقي الموارد.
علماً أنَّ ضيق الرزق في هذه الآية (والآيات العشر) المذكورة لا يعني مُطلقَ الحرمان من الرزق ، حتى يتعارض مع الآيات الآتية التي تقول : (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِى الأَرْضِ إِلَّا عَلى اللهِ رِزْقُهَا). (هود / ٦)
بل المقصود قلةُ الرزق وفي نفس الوقت وجود الحد الادنى والكافي منه.
* * *
وفي الآية السادسة بعد أن يؤكّد على هذه النكتة وهي : أنَّ الله لا يحتاجُ عبادَهُ وحينما يدعوهم إلى عبادته فليس بسببِ حاجته فيقول تعالى : (إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَاقُ ذُو القُوَّةِ الْمَتِيْنُ). (الذاريات / ٥٦ ـ ٥٧)
و «الرزّاق» : صيغةُ مبالغةٍ تعني كثير العطاء ، وهذا يصدقُ بخصوص ذاته المقدّسة فقط ، حيث جلست الكائنات الحية في كلِّ زاويةٍ من هذا العالم العريض : على الجبال ، في بطون الصخور ، في أعماق الوديان ، في قاع البحار ، وباختصارٍ في كلِّ زاويةٍ وجانبٍ من هذا العالم العظيم على مائدة احسانِه ، متنعمة بامداداته وفيضه.
وبما أنَّ مثل هذا العطاء والبذل الواسع وغير المحدود يحتاج إلى قدرةٍ وقوةٍ تامةٍ ، فقد ذَكر بعد هذا وصفين آخرين : «ذُو القُوةِ» و «الْمَتِيْنُ» وهي من مادة «متن» وتعني في الأصل العَضلتين اللتين تحيطان بالعمود الفقري ، وتقومان بشَدِّ عضلات ظهر الإنسان من أجل انجاز الأعمال الشاقة ، وهنا كنايةٌ عن القوة والاقتدار الخارق.
وفي الواقع أنَّ هذه الجملة وصفٌ للذات الإلهيّة المقدّسة في بذل الأرزاق ، لأنَّ هذه الصفة تخصُهُ فقط ، وأمّا الآخرون فكل ما يملكون فهو منه جلَّ وعلا ، وإذا استعمل وصف «الرزاق» لبعض الناس أو للأسباب الطبيعية فهو يعني في الحقيقة الواسطة في انتقال فيوضاتهِ وليس الفّياض وخالق النِّعم.