واستند في الآية السابعة إلى موضوعٍ آخر وهو شمول رزق الله لكلِّ الدّواب ، هذا العمل الذي لا يمكن حصوله بدونِ احاطةٍ وعلمٍ كامل بجميع موجودات العالم ، فلابدّ أن يعرفَ المُضيِّفُ عددَ ضيوفهِ سلفاً ، وكذلك مقدار حاجاتهم وأذواقهم ، كي يتمكنَ من تقديم الطعام الملائم لهم ، لهذا يقول في هذه الآية : (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِى الأَرْضِ الَّا عَلىَ اللهِ رِزْقُهَا).
ويُشير هذا التعبير بجلاء إلى أنَّهُ قد تكفَّلَ برزق عباده ، كي يَحدَّ من حرص وطمع بعض الناس واضطراب وقلق بعضهم الآخر من جانب ، ومن جانبٍ آخر يبرهنُ على أنّه لو شوهدت شحةٌ في الأرزاق ، فهي مفتعلة ومن المؤكد أنّها حصلت نتيجة لظلم جماعةٍ من الناس وهضم الحقوق ، والاحتكار وافتعال الأزمات الكاذبة أو في النهاية بسبب عدم السعي للاستفادة من هذه المائدة الإلهيّة المبسوطة ، تلك هي الأسباب التي يؤدّي كلٌّ منها أو مجتمعة ، إلى حرمانِ بعض الناس من رزقهم وقوتهم ، وإلّا فانَّ الله قد ضمنَ رزقَ كلّ الدَّواب.
وبما أنَّ ايصالَ الرزق لهم يُعدّ متعذراً بدونِ علمٍ كاملٍ بأماكنهم وخصائصهم فهو يقول في سياق الآية : (وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا ومُسْتَوْدَعَهَا).
وكلُّ ذلك مسجّلٌ في كتابٍ جلّيً (هو اللوح المحفوظ ، لوح علم الخالق) (كلٌّ فِى كِتابٍ مُبِيْنٍ).
و «دابَّة» : من مادة «دبيب» «وتعني المشي البطيء» ويُطلقُ هذا اللفظ (دابّة) على البهائم والحيوانات والحشرات ، بالرغم من استعمالهِ بخصوص الخيل في بعض الموارد ، إلّاأنّ المسلَّم به هنا أنّه ذو معنىً واسعٍ وشاملٍ حيث يشمل جميع البهائم (١).
ولفظ «مُستَقَّر» يعني المقر ، والمكان الثابت ، وهو مأخوذ في الأصل من مادة «قُرّ» على وزن «حُرّ» وتعني البرد القارص الذي يجعلُ الإنسان جليسَ الدار.
و «مُستَوْدَع» : يعني المكان غير الثابت ، وهي من مادة «وديعة» وتعني في الأصل ترك واطلاق الشيء ، ولهذا يقال للُامور غير المستقرة «مستودع».
__________________
(١) إنَّ «التاء» في «دابّة» لا تدل على التأنيث ، بل تشمل جميع الحيوانات مذكرها ومؤنثها ، وبتعبير آخر أنَّ تأنيثها لفظيٌ وليس حقيقياً (مفردات الراغب وتفسير الكبير ، ج ١٧ ، ص ١٨٥).