مناطق العالم ، إلّاأنّ العوامل المدمرّة التي أشرنا إليها آنفا جعلتهم يهيمون في ليلٍ مظلمٍ.
نختتم هذا البحث المختصر بحديثٍ عن الإمام علي عليهالسلام ورد في نهج البلاغة ، يقول :
«انظروا إلى النملةِ في صِغرِ جُثتها ولطافةِ هيئتها لا تكادُ تُنالُ بلحظِ البَصرِ ولا بمُستدركِ الفكَرِ كيفَ دبَّت على أرضها ، وصُبَّت على رزقها تنقُلُ الحبَّةَ إلى جحرِها وتُعِدُّها في مستقرها ، تجمعُ في حَرِّها لبردها ، وفي وِردِها ، لصدرِها» (١).
* * *
٤ ـ سعةُ الرزق وضيقه
وردَ في الآيات أعلاه أنَّ الله تعالى يبسطُ الرزقَ لمن يشاء ويُضيقَهُ على مَنْ يشاء ، وهذا التعبير الذي تكرَّر في آياتٍ عديدةٍ يمكنُ أن يُوجدَ هذا الخلط وهو أنَّ نظام الرزق خارجٌ عن إرادة الإنسان بشكلٍ كامل ، طبقاً لذلك فلو تَنَعَّمَ قومٌ وحُرمَ آخرون فهذه مشيئة الله وليس ما كسبته أيدينا وليس لنا حول ولا قوّة! ويُمكن أن يكون هذا مكسباً جيداً لُاولئك الذين يشكلون على أصل الدين ويعتبرونه وليداً للحركات والمشاريع الاستعمارية.
ولكن لو تأملنا في هذه الآيات والروايات وفكّرنا في أسباب ضيق الرزق وسعَته لتجلّى لنا تفسير هذه الآيات وأسرارها وسيتم القضاء على تلك الأفكار الهدّامة ، ونتوصل إلى امور مهمة وقيمّة للغاية.
لقد قلنا مراراً أنَّ التعبير بـ «الارادة الإلهيّة» لا يعني الإرادة التي تخلو من الحساب والكتاب ، بل الإرادة الممتزجة بـ «الحكمة».
إنَّ حكمة الله تقتضي أنّ من يسعى ويجتهد ويُخلصُ ويُضحي أكثر ، يكون رزقه أوسعُ : (وأَنْ لَّيْسَ لِلِانْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى). (النجم / ٣٩)
و (كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِيْنَةٌ). (المدثر / ٣٨)
(وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً* وَيَرزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَايَحتَسِبُ). (الطلاق / ٢ ـ ٣)
__________________
(١) نهج البلاغة خ ١٨٥.