يُسرٍ في جو السّماء لساعاتٍ وأحياناً لأسابيع ، وحتى أحياناً لعدة شهور بدون توقفٍ ، حركةً مرنة وسريعةً ، بنحوٍ تبرهن على أنّها لا تواجه مشكلةً في عملها.
فيقول : (أَوَلَمْ يَرَوا الَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ ويَقْبِضْنَ) (١).
فلا أحد سوى الرحمن الذي عمَّت رحمتُه كلَّ شيء ، يستطيع أن يُمسكَهُنَّ هناك : «(مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرحْمَنُ).
أجل .. اللهُ الذي منَحها كلَّ أدوات الطيران ، وعلَّمها طريقته واسلوبه ، كما وضعَ قوانين وانظمةً تستفيدها فتحلّق بيسر وسهولة ، فهو العليم بحاجات كل الموجودات والبصير بكلِّ شيءٍ : (إِنَّه بِكُلِّ شَىءٍ بَصِيْرٌ).
وابتداءً من الذرات حتى المنظومة الشمسية ، والمنظومات الاخرى الجبارة ، ومن النباتات والحيوانات المجهرية ، حتى الموجودات العملاقة ، والكل يستمر في وجوده بتدبيره جلَّ وعلا ، التدبير الذي يُطلعنا في كلِّ مرحلةٍ منه على آيةٍ جديدةٍ من علمه وقدرته تبارك وتعالى ، وينفي كل أشكال الاحتمال بوجود الصدفةِ وقدرتها على الخلق ، ويملأ القلب بحبّه والإيمان به.
ويُمكن أن يكون التعبير بـ «صافاتٍ» و «يَقْبِضْنَ» إشارة إلى وضع الطير ، حيث يبسطنَ أجنحتهنَّ تارةً ، ويجمعنَها اخرى ، ويقدرنَ على الطيران من خلال هذين الفعلين ، ويرِدُ هذا الاحتمال أيضاً بأنْ يكون إشارة إلى صنفين من الطيور : الطيور التي غالباً ما تكون أجنحتها مبسوطة ، وتركبُ أمواجَ الهواء ، وفي نفس الوقت تسيرُ في كلِّ اتجاهٍ بسرعة ، فكأنّما هناك قدرةٌ خفيَّةٌ تُحركُها لا نراها بأعيننا ، والطيور التي تخفق اجنحتها باستمرار أثناء طيرانها ، ولبعضِ الطيور حالةٌ وسطٌ بين هاتين الحالتين أثناء الطيران (٢).
__________________
(١) يقول بعض المفسرين لو تعدت «الرؤية» ب «إلى» فهي تعني الرؤية الحسّية ، وإذا تعدت ب «في» فهي تعني المشاهدة القلبية والمطالعة العقلية (تفسير روح البيان ، ج ١٠ ، ص ٩١).
(٢) لماذا جاءت «صافاتٍ» بصيغة الاسم الفاعل ، و «يقبضنَ» بصيغة الفعل المضارع؟ وردت تفسيرات كثيرة أفضلها : يقال إنّه عند انبساط الاجنحة يأخذ وضع الطائر نسقاً واحداً ، بينما يتكرر رفيف اجنحته عند خفقانها ، ـ