ويقول في الآية الرابعة والخامسة ضمن إشارته إلى المنافع المختلفة للحيوانات بالنسبة للإنسان : (وَإِنَّ لَكُمْ فِى الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً).
وذُكرت «عبرة» هنا بصيغة «نكرة» حيث تعتبر دليلاً على أهميّته الفائقة ، وكما يقول الراغب في كتاب المفردات «عِبرَة» من مادة «عَبْر» وتعني العبور والانتقال من حالةٍ إلى اخرى ، وهنا حيثُ يرى المعتبرُ حالةً يدلكُ من خلالها على حقيقة لا يمكن ملاحظتها فاطلقوا على ذلك «عبرة».
وعليه فانَّ مفهوم الآية يشير إلى أنّه بمقدوركم انْ تصلوا إلى معرفة الله وعظمة وعلم وقدرة مُبدىء الخلق العظيم من خلال ملاحظة أسرار وعجائب الحيوانات.
ثم أشار القرآن في شرحه لهذا المعنى إلى أربعةِ جوانب من الفوائد المهمّة للحيوانات فيقول ابتداءً : (نُسْقِيْكُمْ مِّمَّا فِى بُطُونِهَا) نعم ، اللبن هذه المادة السائغة الطعم التي تخرج من الحيوانات ومن بين دمها ولحمها شراباًمغذياً كاملاً ، وورد هذا المعنى مع تأكيد أكثر في الآية الخامسة إذ يقول : (نُّسْقِيْكُمْ مِّمَّا فِى بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثِ وَدَمٍ لَّبَناً خالِصاً سَائِغاً لِلشَّارِبِيْنَ) (١).
فأيُّ قدرةٍ تلك التي تُخرجُ مثل هذا الغذاء الطاهر الصافي اللذيذ من بين تلك الأشياء الملّوثة؟ لونه ابيض ، طعمه حلوٌ ، رائحته عطرة ، ومقبولٌ من جميع الجهات.
والعجيب ما يذكره العلماء .. فمن أجل انتاج لتر واحد من الحليب في ثدي الحيوان يجب أنْ يمرَّ ما يقارب خمسمائة لتر من الدم خلال هذا العضو كي يتم امتصاص المواد اللازمة من الدم لتكوين ذلك اللتر من اللبن! ومن أجل انتاج لتر واحد من الدم في الشرايين
__________________
(١) «فرث» بمعنى الغذاء المهضوم ، والجدير بالذكر أنَّ «بطونها» ذُكرت في سورة المؤمنون مع ضميرٍ مؤنث حيث لها معنىً يفيد الجمع في مثل هذه الموارد ، وفي سورة النحل «بطونه» بضمير المذكر إذ لها معنىً فردي ، وقال بعض المفسِّرين أنّ «انعام» اسمُ جمعٍ ولو لوحظ ظاهر اللفظ فانَّ ضمير المفرد يعود إليها ، ولو لوحظ معناه فانّه ضمير جمعٍ ولو لوحظ ظاهر اللفظ فانَّ ضمير المفرد يعود إليها ، ولو لوحظ معناه فانّه ضمير جمعٍ وقال بعضهم أنّ ضمير المفرد لمفهوم الجمع وضمير المؤنث لمفهوم الجماعة ، (يُراجع تفاسير الكشاف والكبير وروح المعاني وابو الفتوح الرازي).