وقد أشار الإمام الصادق عليهالسلام إلى هذه المسألة في توحيد المفضّل ، فيقول بعد بيان خلق الأنعام : ... «ثُمَّ مُنِعَت الذِّهنَ والعَقلَ لِتَذِلَّ للانسانِ فلا تَمْتَنِعَ عَلَيْهِ إذا كَدَّها الكَدَّ الشّديدَ وحَمَّلَها الحِمْلَ الثَّقيلَ» (١).
وبالطبع أنَّ عدم امتلاكها للعقل جزءٌ من الدليل على تآلفها ، علاوة على هذا أنَّ الله تعالى خَلَقها بشكلٍ تأتلفُ فيه بسرعةٍ وتبقى على هذا الحال إلى الأبد ، بينما نجد أنَّ بعضَ الحيوانات التي تماثلها في الذكاء والعقل (كالذئاب والّنمور) إذا ما ألفت فبمشقّةٍ تكون مؤقتة ، ومع ذلك يجب الحذر منها ، وأحياناً تفترسُ اصحابها إذا ما غفلوا عنها.
٣ ـ ذكاء الحيوانات
لعلَّ اختيار هذا العنوان بعد الذي قيل في البحث السابق يبدو عجباً ومتناقضاً ، والحال أنّه ليس كذلك ، مع أنّ الحيوانات تبدو بلا عقلٍ أو قليلة العقل ، ونحنُ نشبّهُ البُلداء بالبهائم ، إلّا أنّها تبدي ذكاءً ووعياً في بعض المسائل بحيث تبعث على الدهشة.
فقد شاهدَ اغلبُنا قطيعَ الأغنامِ عندما يعود من الصحراء ، فهنالك عدد من الغنم والماعز تعود إلى عائلةٍ ما وبمجرد اقترابها من القريةِ يسلك كلٌّ منها فروع وازقةَ القرية ويتجه نحو بيت صاحبهِ بدونِ أيِّ اختلاف.
كما شاهدنا أنَّ النعجةَ لا تسمح أبداً لغير وليدها أن يرتضع من ثديها ، وعندما تُطلقُ الصغار في ظلمةِ الليل وتدخلُ في القطيع يذهبُ كلٌ منها إلى امه ، فتعرفه وتستعد لإضاعه ، وهذه المعرفة تحصل عن طريق «الشَّم» فقط ، وهذا يعني أنَّ عددَ روائح الأغنام تضاهي عددها ، وكلُّ نعجةٍ تشخصُ رائحةَ صغيرها من بين هذه الروائح!
يقول «غرسي موريسن» في كتاب «سرُّ خلق الإنسان» : (إنَّ اغلبَ الحيوانات تُشخصُ طريقها في الليالي المظلمة ، وتسير بيُسر ، وإذا كانت لاتبصر في الظلمة الحالكة فهي تعرفه من تفاوت الهواء المحيط بالطريق ، ويؤثر النورُ الضعيف جدّاً للأشعة مافوق الحمراء الذي
__________________
(١) بحار الأنوار ، ج ٣ ، ص ٩١ ، توحيد المفضل.