جمع الآيات وتفسيرها
الدور الحساس لآلات المعرفة :
يقول في الآية الاولى كتعريفٍ بالذات الإلهيّة المقدّسة وبيانٍ لآياته في خلقِ الإنسان : (وَاللهُ أَخْرَجَكُم مِّنْ بُطُونِ امَّهاتِكُمْ لَاتَعْلَمُونَ شَيْئاً).
إنَّ هذا التعبير يُبيِّنُ بجلاء أنَّ صفحة القلب تخلو من جميع المعارف عند الولادة ، إلّاأنّ بعض المفسِّرين قالوا إنَّ المقصود ليس العلم الحضوري للإنسان بذاته ، أو بتعبير آخر إنّ المقصود هو العلم بالأشياء الخارجية ، وذكروا ذلك كشاهدٍ في قوله تعالى : (وَمِنْكُمْ مَّنْ يُرَدُّ إِلىَ أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَىْ لَايَعْلَمَ بَعدَ عِلْمٍ شَيْئاً). (النحل / ٧٠)
والانسان في سنِ الشيخوخة يعلمُ بوجوده إلّاانَّه يُحتملُ جهلِ الوليد بوجوده في بداية الولادة وأول ما يُدركه هو وجوده.
ثم يضيفُ : (وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصارَ وَالأَفئِدَةَ لَعَلكُمْ تَشْكُرُونَ).
لقد جعلَ الله العينَ والاذنَ كي يُدركا المحسوسات ، والعقل لإدراك المعقولات ، وتَطّلعون على العالم الخارجي من خلال وسائل المعرفة الثلاث هذه ، ثمَّ تقومون بشكر هذه النِّعم وتتوجهون قبل كلِّ شيء لمعرفة ذلك الخالق الذي منحكُم وسائل العلم والمعرفة.
ولإدراك أهميّة العين والاذن والعقل يكفي تصور الحالة التي تتمخض عن فقدان أحدهما (فضلاً عن كليهما) ، فما هو حال مكفوف البصر ، أو الأخرس أو المجنون أو جميعهم؟ وكم ينأى عن مواهب هذا العالم العظيم؟ وقبل كلِّ شيءً يفقد موهبة العلم والاطلاع التي هي أفضل المواهب ومقدمةٌ للتَنعُمِ بالمواهب الاخرى.
وقال بعضهم إنَّ المقصود من «شيئاً» في الآية أعلاه هو حق المنعم ، وقال بعض آخر : إنّ المقصود هو مصالحه ، وفسَّرها قسمٌ منهم على أنّها السعادة والشقاء ، أو الميثاق الإلهي في يوم : «ألستُ بربِّكم» ، إلّاأنّ اطلاقَ الآية ينفي كلَّ اشكال التقييد فتشمل كلَّ شيء.
وهنا لماذا تقدَّمَ «السَّمع» على «الأبصار»؟ فلعل ذلك يرجعُ إلى استخدام الاذن قبل العين ، لأنَّ العينَ لم تكن لديها القابلية على الرؤية في محيط رحم الام الذي يسودُه ظلامٌ