تفسيرٌ وتحليل
الروح الاجتماعية للبشر واحدة من أعظم المواهب الإلهيّة :
في سورة «الروم» وأثناء تعداد الآيات الإلهيّة في سبعِ آيات متقاربة (١) حيث تبتدأ كلٌّ منها بتعبير «ومن آياته» أَوضحَ جانباً من براهين عظمة الله في عالم الوجود بلحنٍ مرغوبٍ وجذابٍ ونغمةٍ لطيفةٍ ومحببةٍ والآية الاولى في البحث إحداها فقد أشارت إلى اللبنة الاولى في بناء المجتمع البشري ، أي وحدة الاسرة والعلاقة التي تسودُها ، فيقول : (وِمِن آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا).
واللطيف أنّه لم يذكر هنا أنَّ الهدف من الحياة الزوجية هو بقاء النسل ، بل يذكرُ نيل الاطمئنان والسكينة ، الذي يحصل من خلال الحياة الزوجية ، لأنَّ هذين الجنسَيْن يُكمل أحدُهما الآخر ، ويكونان سبباً لتفتُحِ وانقاذ وتربيةِ كلٍّ منهما ، بنحوٍ يبدو كلٌ منهما ناقصاً بدون الآخر ، وينال تكامله عن هذا الطريق.
إنَّ هذا الاطمئنان والسكون لا يقتصر على الجانب الجسدي بل إنّ جانبه الروحي أهم واقوى.
والاضطرابات النفسية وفقدان التوازن الروحي ، والأمراض المختلفة المتمخضة عن الزهد في الزواج ، شاهدٌ ناطقٌ على هذا المعنى.
ثم يضيف : (وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً).
هذه المودةُ والرحمة التي تُعتَبرُ في الحقيقة الركن الأساس وحلقة الوصل والإرتباط ما بين الناس ، فتربط الأشخاص المتفرقين والمتباعدين ، وتخلق من ذلك مجتمعاً قوياً ، تقوم المواد الأساسية في البناء بشدِّ قطع الطابوق والحجر ويُشيَّدُ منها بناءٌ ضخمٌ وعظيم.
واللطيف كذلك أنّه استند مرّه ثانية في نهاية الآية إلى هذه النكتة التوحيدية : قائلاً : (إِنَّ فِى ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفكّرُونَ).
__________________
(١) تبدأ هذه الآيات من الآية ٢٠ من السورة وحتى الآية ٢٥ (ست آيات متتابعة) والآية ٧ والآية ٤٦ من نفس السورة.