وورد قرينُ هذا المعنى بتعابير اخرى في قوله تعالى حيث يقول حول أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوآله : (أَشِدّاءُ عَلَى الكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ). (الفتح / ٢٩)
وما يثير اهتمامنا هنا هو التعبير بـ (هو الذي) في بداية الآية ، حيثُ تُعرِّفُ الباري من خلال نصرة رسول الله صلىاللهعليهوآله والتأليف بين قلوب المؤمنين ، ويعدَّها من آيات وجود الله تعالى ، التآلف الذي يَسمو على جميع انواعِ التآلف ، حتى على الروابط النسبية والسببية ، ولهذا فقد هيمنت أواصر العصبية القبلية وبنحوٍ مذهلٍ على العلاقات التي كانت تسود المجتمع العربي أبان العصر الجاهلي لكن أواصر الإيمان والتقوى طغت على جميع أنواع الراوبط ، وظهرت آثار هذا التآلف الروحي والمعنوي في جميع جوانب حياتهم الفردية والاجتماعية ، وأذْعَنَ العالمُ باسرهِ أمام عظمتهم.
* * *
توضيح
هل للمجتمع روحٌ؟
إنَّ الأَحياء على قسمين وأغلبُها يعيش منفرداً ولا وجود اجتماعي فيما بينها ولو على صعيد اصغر وحدة اجتماعية أي العائلة ، وبعضها قد تخطّى هذه الحياة قليلاً وأخذ يعيش مع قرينهِ ، ولكنّ قليلاً من الحيوانات تعيش حياةً جماعيةً ، وبعضها قد كون حضارةً ، كالنحل ، والَّنمل ، والأرضة وغيرها من الحيوانات.
إلّا أنَّ هذا الصنف «الحيوانات الاجتماعية» لها نوعان من النقص أيضاً : الاوّل : هو استحالة الحياة المشتركة بين المجاميع المتباينة (كنحلِ خليتين أو بضع خلايا) ، والثاني : إنَّ حياتها الاجتماعية تتخذُ طابعاً واحداً باستمرار ، اي أنَّ النحلَ يعيشُ اليوم كما يعيش قبل مليون سنة.
فالكائن الوحيد الذي يعيش حياةً جماعيةً غير مقيّدة ويسير نحو التطور والتكامل هو الإنسان ، والدليل على ذلك هذا النمو والتطور وسيادة العلم والعقل على حياته الاجتماعية.