ما يؤدّي إلى السَّلام والوئام والإصلاح بين الناس جزءاً من أفضل العبادات.
٣ ـ أنَّ تحقيق الحياة الاجتماعية للبشر ليس امراً بسيطاً ، لأنّه يحتاج إلى توزيع القابليات والقدرات العقلية والجسمية المختلفة ، وتخطيطٍ دقيقٍ ، وتوزيع للأعمال ، والتنسيق والتآلف بين القلوب ، وطبقاً للتعبير الذي ورد في تفسير الآيات فانَّ البشر كمواد البناء ـ الطابوق والحديد والمواد الإنشائية الاخرى ـ التي إذا لم تكن فيما بينها وسيلة للربط والالتحام لم يتشيَّد منها بناءٌ شامخٌ ، وهنا جاءت يد القدرة الإلهيّة لمساعدة الإنسان ، ووضعت الخطة الدقيقة الرامية إلى تأليف القلوب ، وتوزيع القابليات العقلية والجسمية ، وأنواع الأذواق والفنون ، ورفَدت الإنسان بالمواهب العظيمة التي لن تدور عجلة الحياة الاجتماعية للبشر بدونها أبداً ، ويُعبَّر عن مجموع هذه الامور أحياناً بـ «روح المجتمع» وإلّا فاننا نعلمُ أن ليس للمجتمع روح خاصةً غير ما ذُكر.
من يا ترى أوْجَد هذه الروح الاجتماعية بكل ما فيها من مواصفاتٍ من أجل دفع الإنسان نحو التكامل؟ فهل تستطيع الطبيعة العمياء الصمّاء التي لا عقل ولا احساس لها أنْ تُوجدَ هذا التخطيط ، وهذه المودَة والرحمة ، وهذه السكينة والاطمئنان ، ونطفة الامشاج ، وهذا التعارف العام ، وهذا التآلف بين القلوب؟!
لهذا تَعتبرُ الآياتُ المذكورة هذه الامور من آيات عظمةِ وعلمِ وقدرة الله تعالى.
ونختتم هذا الكلام بالحديث الذي ورد عن النبي صلىاللهعليهوآله فيما يخص اهتمام الإسلام بتقوية الأواصر الاجتماعية بين أبناء البشر ، إذ يقول صلىاللهعليهوآله :
«إنَّ المُسْلِمَ إذا لَقيَ أخاهُ المسلمَ فاخذَ بيَدهِ تحاتت عَنْهُما ذُنوبُهما كَما تَتَحاتُ الوَرقُ عن الشَجَرةِ اليابسةِ في يومِ ريحٍ عاصفٍ و «لا يفترقان» إلّاغُفِرَ لَهما ذنوبُهما ولَو كان مثلَ زَبَدٍ البحار!» (١).
كلمة الختام :
من مجموع ما جاء في بحوث هذا الكتاب المختلفة تتضح هذه الحقيقة بجلاء وهي أنَ
__________________
(١) الطبراني ، نقلاً عن تفسير في ظلال القرآن ، ج ٤ ، ص ٥٧.