ظاهر الآية أنّ هذا من العلوم الإلهيّة الخاصة ، وهو العلم بخصائص الجنين من كل الجوانب قبل ولادته ، فهو عزوجل لا يعلم بالجنين من حيث جنسه فقط وإنّما يعلم بكل قابلياته وأذواقه وصفاته الظاهرة والباطنة ، كما أنّ لحظة ولادته لا يعلمها إلّاالله ، ومن أجل أن لا نتصور أنّ الزيادة والنقصان تأتيان بدون حساب أو مبرر ، بل إنّ ساعتها وثانيتها ولحظتها محسوبة جميعاً ، فقد أضاف قائلاً : (وكُلُّ شَىءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ).
المثير هو ظهور تغيرّات عجيبة على نظام حياة الوليد في لحظة ولادته وهي تغيرات ضرورية جدّاً لتكييفه مع المحيط الجديد ، وسوف نشير إلى اثنتين منها فقط :
أ) تغيّر نظام دوران الدم ، فعملية دوران الدم في الجنين دوران بسيط ، لأنّه لا يتحرك الدم الملوّث نحو الرئتين من أجل التصفية ، إذ لا تنفس هناك ، ولهذا كان إثنان من أجزاء قلبه (البطين الأيمن والأيسر) الذي يتحمل أحدهما مسؤولية إيصال الدم إلى الأعضاء والثاني يتحمل مسؤولية إيصال الدم إلى الرئتين للتصفية ، على اتصال مع بعضهما ، ولكن بمجرّد أن يولد الجنين تُغلق البوابة بينهما وينقسم الدم إلى قسمين ، قسم يُرسل إلى كل خلايا الجسم لتغذيتها والقسم الآخر إلى الرئتين لتصفيته.
أجل ، ما دام الجنين في بطن الأُم فإنّه يحصل على ما يحتاج من الأوكسجين من دم الام ، لكن عليه أن يكتفي ذاتياً بعد الولادة ويحصل على الاوكسجين بواسطة الرئة والتنفس ، الرئة التي كانت قد خِلُقتْ وأُعدّت مسبقاً بشكل تام في رحم الأم ، سوف تمارس عملها فجأة بأمر إلهي واحد ، وهذا من العجائب حقاً.
ب) إنسداد عقدة السُرّة وجفافها وسقوطها (عادةً ما يقطعون عقدة السرة التي تعتبر طريق تغذية الجنين بواسطة الحبل السري من دم الأم ، ولكن حتى لو لم يقطعوها فإنّها تتيبس وتسقط تدريجياً).
__________________
ـ وكذلك بمعنى الفساد ، ولهذا فسر البعض كلمة تغيض في الآية أعلاه بمعنى نقصان الجنين والبعض بمعنى الولادة قبل الموعد وهو المعنى المشهور بين المفسرين ، وهو المروي في حديث عن الإمام الباقر أو الإمام الصادق عليهماالسلام، كما أنّ ذيل الآية يدل على ذلك.