لم يكن لها عندهم مثل ذلك المكان الرئيسي الذي كان لها عند سائر الفرق ، فان معظم الفرق الاخرى قد اثّرت في تكوّنها المناظرات في تلك المسألة تأثيرا بالغا فلا يتصوّر وجود ايّة منها بدونها ، فكأن القدرية قد فكّت التلازم المكين بين الدين والسياسة او الاخلاق والسياسة الموجود عند غيرها من الفرق ، غير ان القول بالقدر اكتسب بسرعة اهمية سياسية فيما بعد.
واما سبب تسمية المعتزلة فقصّة مفارقة واصل بن عطاء حلقة الحسن واعتزاله الى عمود آخر من الجامع في البصرة مشكوك في صحّتها ويتعذّر اثبات سبب هذه التسمية الحقيقي بوجه قطعي ، وقد ذهب قوم الى تفسير هذا الاسم من وجه الدين وذهب غيرهم الى تفسيره من وجه السياسة ولكن ادلّة الفريقين تكافأت. قيل ان الاعتزال الديني سبقه اعتزال سياسي ، واقوى الادلّة التي أوردت في ذلك ما جاء به الاستاذان س. ه. نيبرج (S.H.Nyberg) وك. ا. نالينو (C.A.Nallino) ، وسواء قبلنا هذا الرأي أم لم نقبله فقد ثبت ان مسئلة الامامة كان لها مكان عظيم في مناظرات المعتزلة ، غير ان الاهتمام بها تضاءل فيما بعد فغاضت في مسائل الاسماء الشرعية. ولا نعلم مكان المسائل السياسية في بنية الكلام المعتزلي ولكن من الثابت ان مجرّد قبول قول واصل بن عطاء في الخلافة والخلفاء الاربعة لم يكن يجعل المرء معتزليّا ، ومثل هذا يصدق أيضا على سائر اقوال المعتزلة ، وأيضا : من لم يقرّ بجميع الاصول المعتزلية الخمسة ـ وهي التوحيد والعدل والوعد والوعيد والمنزلة بين المنزلتين والامر بالمعروف والنهي عن المنكر ـ لم يكن ينفى عنه اسم المعتزلي ، وهذا ابن المرتضى يعدّ قدرية المرجئة والمعتزلة الشيعية وغيرها من المعتزلة مع اختلاف آراء تلك الفرق في مسائل كثيرة ، ولم تعدم في داخل المعتزلة الاصلية أيضا اختلافات ومنازعات ليست فرعية ثانوية بل اساسية تؤثّر في ماهية القول المتنازع فيه تأثيرا بالغا ، وكيفما كان الحال فانه يبدو انه كان يكفي ان يقرّ الرجل بقول من اقوال المعتزلة حتى يعدّ منهم.