وكانت مدّة ازدهار الاعتزال قصيرة ولما لم يعد مذهب الخلفاء والامراء الرسمي وفقد الحماية الرسمية خسر الكثير من مكانته بسرعة ، ومع ذلك لم يزل الكلام المعتزلي يؤثّر في تكوّن علم الكلام والفلسفة تأثيرا لم يكن يتوقّع منه مع قصر مدّة ازدهار هذا المذهب ، فلا يجوز ان يستدلّ من نكبتها على عدم نفوذه المعنوي في القرون التالية ، فان من المسائل التي ابدأتها المعتزلة ما بقي موضوعا لمناظرات اهل الكلام لمئات من السنين ، فعظم تأثير الفكر المعتزلي في تطوّر الفكر الاسلامي ، وقد تأثّر منه أيضا الفكر غير الاسلامي وتأثيره في الكلام المسيحي «المدرسي» مشهور ، وتأثّرت منه الفلسفة الدينية اليهودية حتى انها كانت احيانا متوجّهة بكلّيتها الى الاعتزال وخاصّة الى كلام الجبائي وابي هاشم.
والذي اختصّت به المعتزلة استنباط المسائل التي تعرض عند تطبيق العقل على الايمان وافادة تلك المسائل بالالفاظ ، فكانت هي التي تعرّضت لمسألة النسبة بين الدين والعقل لاوّل مرّة وبقوّة فكرية عجيبة وثبات عظيم وحاولت حلّها بطريقة مبتكرة.
ومما خدمت به المعتزلة دين الاسلام انها جادلت الثنوية وردّت مقالاتهم ووطّأت لاهل السنّة الطريق الى اثبات عقيدتهم عند مجادلتهم للثنوية ولغيرها من الفرق ، قال الاستاذ ه. ريتر (H.Ritter) : ـ من اراد إن يفهم احدى العقائد السنّية فعليه ان يستحضر في خاطره انّ كل جملة منها انما هي ردّ على احدى الفرق المخالفة لها من الشيعة والخوارج والمرجئة والجهمية والمعتزلة ، ولقد تشكّلت عقيدة اهل السنّة بردّ الفرق «الضالّة» التي لم تسمّ «ضالّة» الا بعد غلبة اصحاب السنّة والجماعة» (Philologika ٢ / ٢٥٢).
واما مصنفات المعتزلة فقد ضاع اكثرها ، ولذا يضطرّ الباحث عنها الى استنباط مقالاتهم من كتب المجادلة لهم والردّ عليهم ومن الكتب التي ألّفها علماء السنّة في مقالات الفرق الاسلامية.