بهذه الموعظة ، النور؟ فهو مستغن عنها لأنه لا خير في العالم الّا منه ولا (١) يكون منه الشرّ البتّة ، أم الظلمة؟ فلا يكون منها (٢) الخير ابدا وهي مطبوعة على الشرّ فلا معنى لهذا الوعظ ، قال : ثم قال لي : انت غافل عمّا عليك في هذا الباب ، انّ من مذهبك ان الله تعالى قد وعظ قوما يعلم انهم لا يتّعظون ، ويأمرهم بالخير ويعلم انهم لا يفعلون ، وأرسل إليهم ويعلم انهم يكذّبون ، فليس بمستنكر أن اعظ من لا يقبل الوعظ ولا يكون منه الخير ، قال جعفر : بل انت غافل لأنك لا تعلم كيف قولنا لأنا نقول إن الله قد أقدر من امره بالخير عليه فهل تقول في الظلمة إنها تفعل الإقدار على الخير؟ فقال : أوليس من مذهبكم ان الكافر لا يقدر ان يؤمن والمؤمن لا يقدر ان يكفر؟ قال جعفر : ليس هذا من مذهبنا ومن قال بهذا (٣) من أمّتنا (٤) فهو (٥) شرّ حالا منك عندنا ، فانقطع وقمت
ويقال إن جعفرا كان في صغره يمرّ على اصحاب ابي موسى فيعبث بهم ويؤذيهم فشكوا الى ابي موسى فقال : اجتهدوا ان تصيروه الى مجلسي ، فلما صار الى مجلسه وسمع كلامه وعظته مرّ حتى دخل في الماء عاريا من ثيابه وبعث الى ابي موسى ليبعث إليه ثيابا فلبسها ولزم أبا موسى فخرّج في العلم ما عرف به
ومن كلامه ان يقول : المؤمن بمنزلة التاجر البصير العاقل الذي ينظر ايّ التجارة اربح واسلم لبضاعته فيقصد إليها ، كذلك المؤمن الذي لا يزال متصرّفا في اعمال البرّ فرائضها ونوافلها والاستعانة عليها بطلب الحلال من المعاش مع ما قد اباح الله من الاستمتاع في غير محرّم ثم يكون شديد الاشفاق والوجل يخشى ان يكون مقصّرا ويخاف ان يكون ذلك التقصير مهلكا له عند الله لأنه لا يدري هل ادّى حقوق الله وهل راعى (٦) حدوده ولعلّه قد ضيّع بعض
__________________
(١) ولا ب ج ل م : وما س
(٢) منها ب ج م : منه س ل
(٣) بهذا ج س م : به ب ، هذا ل
(٤) امتنا ب س م : ايمتنا ج ل
(٥) فهو ب س ل م : ـ ج
(٦) راعى ب ج ل : رعا س م