الرجل بعلمه وحكمته وإحساسه بمنتهى المسؤولية تجاه إبنه فإنّه يقدّم له أخلص النصائح والمواعظ.
النصيحة الاولى من النصائح العشر التي ينقلها القرآن الكريم عن هذا الرجل الحكيم لابنه هي النصيحة بالإحتراز المطلق من الشرك ، ممّا يدلّل على أنّ الأساس في بناء الفرد والإصلاحات الفردية والاجتماعية والأخلاقية كلّها ، هو مقارعة الشرك بكلّ أشكاله وصوره ، وسيكون لنا كلام ـ بإذن الله ـ في بيان العلاقة بين الشرك وبين هذه القضايا.
وقد احتمل البعض أنّ ابن لقمان كان مشركاً فنهاه أبوه ولكن ـ كما يقول بعض المفسّرين ـ : يمكن أن يكون الكلام على شكل تحذير وذلك لأهميّة القضيّة نظير ما ورد في الآية السابقة من تحذيرٍ إلهيٍّ للأنبياء.
والتعبير بـ (ظلم عظيم) ذو مضمون كبير ، فالظلم في الأصل يعني كلّ انحراف عن الحقّ ووضع الشيء في غير محلّه ، وأسوأ أنواع الظلم هو الظلم الذي يكون بحقّ الله ، عباده ونفسه ، وهكذا الشرك.
فأي ظلم وانحراف أشدّ من جعلهم موجودات لا قيمة لها بمستوى خالق السماوات والأرض وجميع الموجودات؟ وأي ظلم أشدّ على عباد الله من انحرافهم عن جادّة التوحيد النورانية إلى ظلمات الشرك؟ وأي ظلم أشدّ على النفس من أن يؤجّج الإنسان ناراً ليحرق فيها حصيلة أعماله الصالحة ويُحوّلها إلى رماد؟!
* * *
السقوط الموحش :
تصرّح الآية الخامسة بعد أنْ أمَرت المسلمين بأن يكونوا موحّدين مخلصين وأن يتركوا طريق الضلالة والشرك ومن خلال تشبيه ذي معنى كبير : (وَمَنْ يُشرِك بِالله فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيرُ أَوْ تَهوِى بِهِ الرِّيحُ فِى مَكانٍ سَحِيقٍ) (١).
__________________
(١) «تخطف» من «خطف» وهو الاستلاب بسرعة و (سحيق) من (سحق) وهو طحن الشيء وقد تعطي هذه المفردة معنى (الملابس البالية) أو (المكان البعيد) والأخير هو الأنسب في مورد الآية من غيره.