٢ ـ تناسُق العالم
تمهيد :
من السبل التي سلكها علماء العقيدة والفلسفة في سيرهم وسلوكهم من أجل القرب من ذات الله المقدّسة هي دراسة عالم الوجود الذي هو عبارة عن مجموعة متناسقة وكتلة مترابطة ، هذا الاتحاد والتناسق ينبئان عن وحدانية الخالق ، ولذا اطلق على هذا الدليل (برهان الوحدة والتناسق) وقد يُطرح هذا البرهان بصورة اخرى حيث يقال : إذا كانت هناك إرادتان تحكمان عالم الوجود ، ولو كان في عالم الخليقة تدبيران لظهر الفساد واللانظام حتماً ، وبما أنّ هذا الأمر ـ عدم النظم والفساد غير موجود ـ يمثل دليلاً على وحدة الخالق والمدير والمدبّر لعالم الخليقة ، ولذا اطلق على الاستدلال عنوان (برهان التمانع).
من هنا فإنّ برهان (الوحدة والتناسق) و (برهان التمانع) متّحدان جوهراً ومحتوىً ولكن لهما تعبيران ، وبعبارة أدقّ : أنّهما ينظران إلى قضيّة واحدة ولكن من زاويتين ، فنحن نصل تارةً عن طريق وحدة العالم إلى وحدة المُبدىء ، واخرى من طريق عدم الفساد الناشيء من الإرادتين ، وفي الحقيقة إنّنا ننظر من الأعلى إلى الأسفل تارةً واخرى من الأسفل إلى الأعلى.
وعلى كلّ حال فإنّه من أفضل دلائل التوحيد التي استندت إليها الآيات القرآنية.
بهذا التمهيد نرجع إلى القرآن الكريم لنتأمل خاشعين في الآيات التالية :
١ ـ (مَا تَرى فِى خَلْقِ الرَّحمنِ مِنْ تَفاوُتٍ فَارْجِعِ البَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ* ثُمَّ ارْجِعِ البَصَرَ كَرَّتَينِ يَنقَلِبْ الَيْكَ البَصَرُ خَاسِئاً وهُوَ حَسِيرٌ). (الملك / ٣ ـ ٤)