البَصَر). هو النظر الدقيق والعميق ، والمخاطب في هذه الآية وإن كان هو النبي الأكرم صلىاللهعليهوآله ولكن من الواضح أنّ المراد هم البشر جميعاً ، وتضيف الآية : (ثمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتين يَنْقَلِبْ الَيْكَ البَصرُ خَاسِئاً وهُوَ حَسِيرٌ) (١).
بهذا الاسلوب يقوم القرآن الكريم وبتعابير مختلفة بدعوة البشر إلى النظر في عالم الوجود ولا يكتفي بالدعوة بل يرغبهم ويحرّكهم ويحرّضهم على هذا العمل ، كي يعلموا أنّهم لا يجدون خللاً أو نقصاً فيه ، وعندما لا يرون ذلك فسوف يتعرّفون على حقيقة توحيد المُبدىء والوحدانية ويردّدون جملة (لا إله إلّاالله) قلباً ولساناً.
هناك نقطة جديرة بالإهتمام وهي أنّ (نفي الاختلاف) من بين الموجودات في العالم والذي ورد في الآية أعلاه يعني حسب اعتقاد البعض : نفي العيب والنقص ، وقد فسّره البعض بمعنى نفي عدم الإنسجام ، وفسّره آخرون بنفي الإضطراب والتزعزع ، وبعض بنفي الإعوجاج ، وبعض بنفي التناقض ، في حين أنّ الآية لها مفهوم واسع يشمل كلّ هذه المعاني (هذه المفردة مشتقّة من (فوت) لأنّ المتفاوتين يفقد كلّ منهما الصفات المختصّة بالآخر).
* * *
تعدد الآلهة :
الآية الثانية تعرض هذا المضمون في إطارٍ آخر وصورةٍ اخرى حيث تقول : (أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ) (٢).
وفي التعبير بـ (من الأرض) إشارة لطيفة وهي أنّهم (أي المشركون) كانوا يصنعون
__________________
(١) «ارجع البصر» كناية عن النظر المتكرّر والمقرون بالدقّة والإهتمام ، و (خاسيء) من (خسئاً) ويعني الانقباض والإنغلاق المقرون بالذلّة ويمكن أن يكون هنا كناية عن الحرمان والفشل ، و (حسير) من (حسر) ويعني الضعف وافتقاد القدرة وتعني في الأصل : الاختفاء ، وبما أنّ الشيء إذا ضعف فإنّه يتجرّد عن قدرته وطاقته وقد استعمل هذا اللفظ بمعنى الضعف.
(٢) لفظ (أم) في الآية ـ كما يقول جمع من المفسّرين ـ منقطعة وتعني (بل) ، في حين اعتقد البعض بأنّها بمعنى هل الإستفهامية ، وبما أنّ المشركين لم يدّعوا أنّ الأصنام خالقة ، كان بمعنى الإستفهام الإنكاري أكثر مناسبة.