وهذه الآية تعطي ـ في الحقيقة ـ مفهوم الآية التالية حيث خاطبه تعالى بقولِهِ : (فَاسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَأُونَ الكِتَابَ مِن قَبلِكَ). (يونس / ٩٤)
وقد احتمل هذا أيضاً وهو : أنّ المراد هو مراجعة كتبهم المتبقّية في اممهم ، فإنّ استخراج القضايا منها بمثابة السؤال عن اولئك الأنبياء.
وقال جماعة أيضاً : إنّ المراد هو سؤال النبي صلىاللهعليهوآله من أرواح الأنبياء عليهمالسلام السابقين ليلة المعراج بل في غير ليلة المعراج ، لأنّ روح نبي الإسلام صلىاللهعليهوآله من العظمة ما لا يعيقها البعد الزمني والمكاني فكان بإمكانه أن يتّصل بأرواح الأنبياء السابقين.
وبما أنّ الهدف الرئيس من الآية هو الاستدلال أمام المشركين ، فقد كان المعنى الأوّل والثاني هو المناسب وذلك لأنّ الإرتباط المعنوي للنبي الأكرم صلىاللهعليهوآله مع أرواح الأنبياء السابقين لم يتقبّله المشركون وكان مفيداً للنبي صلىاللهعليهوآله نفسه ، وإنّا نعلم أنّ إيمان النبي بالتوحيد كان بدرجة لا يحتاج فيها إلى طرح مثل هذا السؤال نفسه.
والتفسير الثالث يمكن أن يكون من التفسير الباطني للآية وقد تضمّنت روايات متعدّدة الإشارة إلى ذلك (١).
على كلّ حال فإنّ المراد هو أنّ دعوة نبي الإسلام صلىاللهعليهوآله إلى التوحيد ليس أمراً جديداً أو عجيباً بل أمر قد اتّفق عليه جميع الأنبياء الإلهيين وهذا بنفسه دليل واضح على قضيّة التوحيد.
والاستناد إلى الاسم المقدّس (الرحمن) في هذه الآية إشارة إلى أنّ من يستحقّ العبودية هو الإله الذي تشمل رحمته العامّة حتّى الكافرين المشركين والبشر جميعاً ، فكيف يمكنهم أن يتركوا ولي نعمتهم الذي غمرهم إحسانه ويتوجّهوا إلى الأصنام الخاوية؟
هل تمتلكون دليلاً على الشرك؟!
إنَّ الآية الثالثة والأخيرة ضَمَّت الدليل النقلي المذكور إلى جانب دليل عقلي آخر إذ
__________________
(١) تفسير البرهان ، ج ٤ ، ص ١٤٧ ؛ تفسير نور الثقلين ، ج ٤ ، ص ٦٠٦ ـ ٦٠٧.