(الشرك) ليس له أي دليل أو برهان وعليه يكون وليداً للظنون والأوهام فتقول : (وَمَنْ يَدعُ مَعَ اللهِ الهاً آخَرَ لَابُرهَانَ لَهُ بِه فَإِنَّمَا حِسابُهُ عِندَ رَبِّهِ انَّهُ لا يُفْلِحُ الكافِرُونَ).
ومن الملاحظ أنّ عقوبة المشركين هنا غير موضّحة بل تقول الآية : (حِسابُه عِندَ رَبِّهِ) وهو أكبر تهديد ، لأنّ العظيم والقاهر هو المحاسب فيكون عقابه شديداً قطعاً وعبارة (لا برهان له) تفيد ـ في الواقع ـ هذا الأمر وهو : أنّ الشرك لا يدلّ عليه أي دليل سواء كان عقليّاً أو نقليّاً ولا تنسجم الفطرة معه ولا المنطق ، بل كلّما أمعنّا النظر في هذه القضيّة ظهر بطلانها أكثر.
والتعبير بـ (لا يُفْلِحُ الكافِرُونَ) شامل ينفي كلَّ فلاح عن الكافرين في الحياة المادية والمعنوية ، في الدنيا والآخرة ، ويؤيّد هذه الدعوى مشاهدتنا اليومية للذين لا يؤمنون.
* * *
أسماء بلا عناوين :
طرحت الآية الثانية هذا المضمون في إطار جميل آخر وتقول عن لسان يوسف عليهالسلام وهو يخاطب صاحبيه في السجن : (مَا تَعْبدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْماءً سَمَّيتُمُوهَا أَنْتُم وآباؤُكُم) والشاهد على ذلك هو أنّها (مَا أَنْزَلَ اللهُ بِها منْ سُلْطانٍ) ، فلو كانت حقائق لقام عليها الدليل العقلي والنقلي ، فمن المحال أن يفقد الدليلَ أمرٌ بهذه الدرجة من الأهميّة (وهو وجود الشريك لله عزوجل) ، وعدم الدليل هذا دليل على العدم!
من هنا تستنتج الآية في الخاتمة : (إنِ الحُكمُ إِلَّا لله) و (أَمَرَ ألَّا تَعْبُدوا إِلَّا إِيَّاهُ) و (ذَلِكَ الدِّينُ القَيَّمُ وَلكِنَّ أَكْثَر النَّاسِ لَايَعْلَمُونَ).
وكلّ جملة ـ في الحقيقة ـ في هذه الآية بمثابة دليل على نفي الشرك ، حيث تقول من جهة : إنّ الله لم ينزل أي دليل على وجود آلهتكم ، وتقول من جهة اخرى : إنّ حاكمية العالم وتدبيره مختصّ به حيث تلاحظ علامات الوحدة في التدبير في كلّ مكان.
وتقول من جهة ثالثة : إنّه أمر بعبادة الإله الواحد ، فهل يعقل أن يأمر الإله الحكيم بأمر كاذب؟