ببناء برج عالٍ جدّاً ، وفي النهاية يصعد إلى أعلى البرج ليحرّك نفسه ويقول : إنّي بحثت عن إله موسى عليهالسلام في السماء فلم أجد له أثراً!
إنَّ هذه القضيّة توضّح أمراً مهمّاً وهو إنّ مستوى التفكير العامّ في مصر كان بسيطاً إلى حدّ أنّهم لم يكونوا ليصدقوا إلّابإلهٍ محسوس ، وبالتالي يصدقون فرعون بادّعائه الالوهية وتوقّعوا أن يكون إله موسى جسماً في أعالي السماء! وفي مثل هذه الأجواء تشيع روح الصنمية وعبادة الأصنام قطعاً!
* * *
الآية الرابعة تنقل أقوال المشركين واحتجاجاتهم المتنوّعة والغريبة حيث طرح كلّ واحد اقتراحاً على النبي الأكرم صلىاللهعليهوآله وتمسّك بحجّة معيّنة حيث تقول الآية : (وَقَالُوا لَن نُّؤمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرضِ يَنبُوعاً) (١) ، وقد تمسّك البعض الآخر بحجج اخرى وقالوا أخيراً : (أَو تُسقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَينَا كِسَفاً أَو تَأتِىَ بِاللهِ وَالمَلَائِكَةِ قَبِيلاً) (٢).
والمطالبة الأخيرة توضّح جيّداً أنّهم تصوّروا أنّ الله والملائكة ذوو أجسامٍ وموجودات جسمانية ، ولم يتحمّلوا تصوّر وجود خارج عن إطار عالم الجسم والطبيعة ، ويعتقد بعض المفسّرين بأنّ مرادهم من الإتيان بالملائكة هو أن تأتي لتعيّن الله! (٣) أو تشهد على الوهيته ، وتشير هذه كلّها إلى المستوى الفكري المتخلف لُاولئك القوم المعاندين.
* * *
أيتوقّعون أن يأتي الله إليهم!
تحدّثت الآية الخامسة والأخيرة عن الكفّار والمشركين وأفكارهم المنحطّة فتقول :
__________________
(١) «ينبوع» من «نبع» وتعني عين الماء.
(٢) فسّرت كلمة «قبيل» تارةً بمعنى «المقابل» ، وتارةً بمعنى الكفيل والشاهد ، وتارةً بمعنى الجماعة والفئة ، ويمكن الموافقة على المعاني الثلاثة في مورد الآية أعلاه.
(٣) تفسير في ظلال القرآن ، ج ٥ ، ص ٣٥٩.