تحدّثت الآية الخامسة والأخيرة عن مشركي العرب أيضاً حيث كانوا : (وإِذَا تُتْلَى عَلَيهِم آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَذَا إِلَّا رَجُلٌ يُرِيدُ أَن يَصُدَّكُم عَمَّا كَانَ يَعبُدُ آبَاؤُكُمْ).
والملفت للنظر أنّ القرآن الكريم يقول : إنّهم كانوا يواجهون (الآيات البيّنات) بمنطق (التقليد) والاستهزاء بالنبي الأكرم صلىاللهعليهوآله فكانو يدعونه بكلمة «رجل» ولكي يستميلوا عامّة الناس إليهم يخاطبونهم ب (أسلافكم) بدلاً من (أسلافنا) ليثيروا عصبيتهم في مواجهة النبي الأكرم صلىاللهعليهوآله.
* * *
ومن مجموع هذه الآيات نستنتج أنّ ظاهرة التقليد الأعمى تعدّ من العوامل المؤثّرة في تناقل الإعتقاد بالصنم في العصور والقرون السالفة ، ولم يكن الرسول الكريم صلىاللهعليهوآله الوحيد من الأنبياء الذي تعرض لهذا الاسلوب عندما صدع بدعوته ونهض لمقارعة الشرك وعبادة الأصنام ، فقد واجهه قومه بحجة تقليد الآباء والأجداد ومن سلفوا ، وقد جاء هذا المعنى في الآية ٤٣ من سورة سبأ والآية ٢٢ من سورة الزخرف بل إنّ أنبياءً ورسلاً أمثال موسى عليهالسلام ، كما ورد في الآية ٧٨ من سورة يونس وابراهيم عليهالسلام ، وكما ورد في الآيات ٧٠ إلى ٧٤ من سورة الشعراء وهود عليهالسلام ، وكما ورد في الآية ٧٠ من سورة الاعراف وصالح عليهالسلام ، وكما ورد في الآية ٦٢ من سورة هود تعرضوا إلى مثل ما تعرض له الرسول صلىاللهعليهوآله حيث واجههم أقوامهم بحجة تقليد الاسلاف والسير على عاداتهم التي ألفوها منهم.
وهذه الحجة الواهية والمزيفة تثار في أوساط جميع الأقوام وعلى مرّ العصور ، فعبدة الأصنام وفي كافة انحاء العالم ومن أجل مواجهة الأنبياء والرسل وحملة راية التوحيد ، فانهم يثيرون مثل هذه الحجة الجاهله ، وقد أشارت الآية ٢٣ من سورة الزخرف إلى هذا المعنى.
ومن الواضح أنّ التقليد الأعمى لم يكن العامل الأوّل لظهور الشرك ، بل يشكّل عاملاً لاستمراره وانتقاله من جماعة إلى اخرى ومن جيل إلى جيل.
* * *