ومن هنا يتّضح لماذا لم يستند إبراهيم عليهالسلام إلى طلوع هذه الكواكب مع أنّ الطلوع والغروب كلاهما مصداقان للحركة؟ وذلك لأنّ ظاهرة الزوال والفناء وانقطاع الفيض والبركة يشاهد في الغروب تماماً في حين لا يشاهد ذلك في الطلوع.
وعليه فإنّ الفصاحة والبلاغة تقتضيان أن يكون الإعتماد على (الغروب) لكي تتوضّح القضيّة أكثر ، وتكون مقبولة تماماً لدى جميع الطبقات ، وهذه النقطة جديرة بالملاحظة أيضاً وهي أنّ الحركة ـ كما سيأتي ـ لها أنواع وأوضحها هي (الحركة في المكان) وقد استند إليها في الآية (الحركة المكانية هنا مقترنة بالحركة الكيفية ، لأنّ كيفية النور في هذه الكواكب تتغيّر مع الحركة وتكون ضعيفة النور عند الغروب حتّى تختفي عن الأنظار).
* * *
يعتقد بعض الفلاسفة أنّ هذه الآية تتضمّن إشارة إلى برهان الحركة حيث يقول تعالى : (وَتَرَى الجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدةً وهِىَ تَمرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللهِ الَّذى أَتْقَنَ كُلَّ شَىءٍ إِنَّهُ خَبيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ). (النمل / ٨٨)
فيقول اولئك بأنّ هذا التعبير ناظر إلى (الحركة الجوهرية) وهي الحركة التي تكون في ذات الأشياء وباطنها ، الحركة التي تدلّ على أنّ عالم المادّة بأجمعه حادث ويحتاج إلى خالق [سيأتي شرح هذا الكلام في باب الإيضاحات بإذن الله] ولكن بناءً على أنّ الآية ناظرة إلى حقيقة (الحركة الجوهرية) فانّها لا تشير إلى الاستدلال التوحيدي ولا إلى الاستفادة من ظاهرة الحركة لإثبات وجود الله (تأمّل جيّداً).
ويعتقد أغلب المفسّرين بأنّ هذه الآية ترتبط بأشراط الساعة (أشراط الساعة هي الأحداث المروّعة التي تحدث عند قيام القيامة وخاصّة تَحَرُّك الجبال وتلاشيها ثمّ صيرورتها غباراً كما جاء في آيات عديدة من القرآن الكريم) (١).
ولكن كما قلنا في التفسير الأمثل : إنّ هذا المعنى لا ينسجم مع ظاهر الآية ، لأنّ تلاشي
__________________
(١) للمزيد من التفاصيل يمكن مراجعة التفسير الأمثل ، ذيل الآية ٨٨ من سورة النمل.