توضيحان
١ ـ الخطوة الاولى نحو الشرك في الخالقية
لعلّ المجوس ليسوا أوّل من جعل لله شريكاً في الخالقية ، ولكنّهم أكثر شهرة من غيرهم على الأقل.
إنّهم قسّموا الموجودات إلى مجموعتين : حسنة وسيّئة (خير وشرّ) وافترضوا لكلّ مجموعة إلهاً (يزدان وأهريمن) أو النور والظلمة ، ودليلهم هو أنّ مخلوق الإله تكون له سنخية معه ، وعليه لا يمكن أن يكون إله الخير وإله الشرّ واحداً ، فإله الخير خير ، وإله الشرّ شرّ!
لو كانت موجودات العالم مقسّمة على هذا النحو لأمكن أن يكون الاستدلال صحيحاً ، لكن الحقيقة هي أنّه لا يوجد في عالم الوجود إلّاالخير ، وما يطلق عليه (الشرّ) أمر عدمي أو أنّه ذو جهة نسبية ، فمثلاً نقول : الفقر شرّ ، في حين أنّ الشرّ ليس إلّاالفقدان لمستلزمات الحياة ، والفقدان أمر عدمي والعدم ليس شيئاً ليكون له خالق.
أو نقول : إنّ لسعةَ النحل ومخالب الحيوان المفترس شرّ وذلك عندما نجعل أنفسنا محوراً ثمّ نحكم بهذا النحو ، في حين لو نظرنا إلى النحل نجد أنّ الابرة فيه وسيلة للدفاع وطرد المهاجمين ، والأنياب والمخالب في الحيوانات المفترسة وسيلة للصيد والتغذّي ولها جانب حيوي بالنسبة إليها فهي إذن خير ، وعليه فإنّ الكثير من الموجودات تتّخذ صورة (شرّيرة) نتيجة لأفكارنا.
وقد يكون جهلنا هو السبب في اعتبار الأشياء شرّاً وذلك لعدم علمنا بفوائدها ، فمثلاً من الممكن أن نعتبر وجود الجراثيم شرّاً لأنّها تسبّب الأمراض ولكن إذا لاحظنا نظرية بعض العلماء في أنّ الجراثيم المسبّبة للأمراض تدعو خلايا الإنسان إلى معركة دائمة وفيها تكون أكثر نشاطاً ونمواً ورشداً ، ولولا الجراثيم لكان معدّل طول الإنسان لا يتجاوز الثمانين سنتمتراً ، ولأصبح ذا جسم ضعيف وعاجز ، سنذعن عندما ندرك ذلك أنّ إطلاق الشرّ عليها ناشىء من جهلنا ، وبخاصّة أنّ الذي خلق الجراثيم قد أوجد طرق معالجتها في حالة استفحالها أيضاً.