ح) الإعتقاد بالمثل الأفلاطونية
إفترض افلاطون لكلّ نوع من أنواع عالم الطبيعة فرداً مجرّداً عقليّاً ، واعتقد أنّه قائم بالذات وبما أنّ هذه الأفراد المجرّدة اعتبرت أمثالاً ومظاهر لأسماء وصفات الله وشبيهة للأنواع الطبيعية فقد اطلق عليها عنوان (مثال) وجمعه مُثُل على وزن رُسُل.
إعتقد افلاطون أنّ ما له الحقيقة هو المثال وهو المطلق الذي لا يتغيّر ومجرّد من الزمان والمكان وأبدي وكلّي ، وأمّا هذه الأجسام الجسمانية والمادّية التي نشاهدها متعدّدة وذات زمان ومكان وفانية فإنّها إنعكاس لتلك ، وعليه تكون نسبة الإنسان الجسماني لمثاله هو نسبة الظلّ إلى ذي الظلّ.
ولأفراد الإنسان قسط من الحقيقة ما يناسب قربها من المثال ، ومن هنا اعتبر افلاطون العالم المحسوس مجازاً وعالم المعقولات حقيقة (١).
إنّ الإعتقاد بالمثل اليونانية وإن تغاير مع الإعتقاد بأرباب الأنواع لكنّه لا يخلو من تشابه من عدّة جهات ويعتبر شكلاً فلسفياً من أرباب الأنواع اليوناني.
كما أنّ الإعتقاد بالعقول الفلكية المجرّدة له تشابه مع أرباب الأنواع من جهة.
وإيضاحه : أنّ جماعة من الفلاسفة اعتقدوا بأنّ الله ـ بسبب بساطته من كلّ جهة ـ له مخلوق واحد لا أكثر ، وهو مخلوق مجرّد أطلقوا عليه (العقل الأوّل) ثمّ اعتقدوا بأنّ العقل الأوّل لتركّبه من وجود وماهية فهو الخالق للعقل الثاني والفلك الأوّل ، وبهذا الترتيب اعتقدوا بخلق عشرة عقول وتسعة أفلاك!
وقد اعتقد البعض منهم أنّ عدد العقول لا حصر لها ، كما اعتقدوا ب (العقول العرضية) إلى جانب العقول الطولية (العقول العشرة التي يكون أحدها مخلوقاً للآخر) ، واعتبروها وسائط لفيض الصور النوعية والمرتبة العليا للموجودات الجسمية (مثل أرباب الأنواع والمثل الافلاطونية) ، ولكلّ مفردة من هذه المسائل بحوث مطوّلة ننصرف عنها لأنّها خارجة عن موضوع بحثنا.
__________________
(١) كليّات الفلسفة الإسلامية وسير الحكمة في اوربا وكتب اخرى.