التوحيد والربوبية شاهدة على هذا المعنى.
وبما أنّ الإنسان الكامل هو الغاية الأساسية من الخلق وبما أنّ المعصومين هم أفضل البشر ، يمكن القول أنّ عالم الوجود قد خلق من أجلهم ، وبتعبير آخر ، أنّهم بمثابة العلّة الغائية لعالم الوجود.
* * *
٤ ـ هل أنّ الملائكة تدبر الامور؟
يُقسم القرآن الكريم في سورة النازعات الآية ٥ ب (المدبّرات أمراً) ، والمشهور بين المفسّرين هو أن الملائكة هي التي تدبّر امور العالم ، فهل هذا يتنافى مع توحيد الربوبية؟
الإجابة عن هذا السؤال واضحة ، فلو كانت الملائكة لها الإستقلال في التأثير لم يكن ذلك منسجماً مع توحيد الربوبية ولكنّا نعلم أنّها منفّذة للأمر الإلهي وقد أوكلت إليها الامور بإرادته ومشيئته نظير الأسباب في عالم الطبيعة التي لها تأثيراتها بأمر الله.
وقد لاحظ الكثير من المفسّرين هذه النقطة في هذه الآية ولم يجدوا تناقضاً بين القول بأنّ الله (ربّ العالمين) و (ربّ كلّ شيء) وبين تأثيرات عالم الأسباب أو تدبير الملائكة بإذن الله ، فكما ينصّ القرآن الكريم على أنّ الرازق لجميع الموجودات هي الذات المقدّسة لله عزوجل : (وَمَا مِن دَابَّةٍ فِى الارضِ إِلَّا عَلَى اللهِ رِزقُهَا). (هود / ٦)
في حين يقول في موضع آخر : (وَعَلَى المَولُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالمَعرُوفِ). (البقرة / ٢٣٣)
ومن المسلّم به أنّ إطلاق الرازق على والد المولود لا يتنافى مع إطلاقه على الله سبحانه ، فهذا مستقلّ بالذات وذلك بالعرض والتبع.
عندما نقول : إنّ في العسل شفاء : (فِيهِ شِفَاءٌ لِّلنَّاسِ). (النحل / ٦٩)
فإنّ ذلك لا يتنافى مع أنّ الشافي هو الله فقط ، كما يقول رمز التوحيد ، إبراهيم عليهالسلام : (وَإِذَا مَرِضتُ فَهُوَ يَشْفِينِ). (الشعراء / ٨٠)