الأمر الفلاني لكان أفضل ، فنزلت الآية تنذرهم بقولها : (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَاتُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَىِ اللهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ).
ومن المسلّم به أنّ الله لا مكان له حتّى يقول : لا تتقدّموا عليه ، بل أنّ ذلك كناية عن عدم التقدّم عليه في أي عمل أو كلام (١).
على أيّة حال فإنّ الآية لا تعتبر طاعة الأمر الإلهي واجباً فحسب ، بل تقول : كونوا بانتظار أوامره في كلّ عمل ، وبعد إصدار الأمر لا ينبغي عليكم التقدّم عليه أو التريَّث في امتثاله فالمسرعون والمبطئون مخطئون.
وقد جاء في تفسير المراغي القول عن بعض علماء الأدب العربي : إنّ مفهوم التعبير (لا تقدّم بين يدي الإمام) هو : لا تعجّل عليه في أداء الأعمال.
* * *
عبادة القادة والعلماء :
الآية التاسعة تذمّ اليهود والنصارى لكونهم جعلوا من علمائهم ورهبانهم آلهة من دون الله الواحد : (اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبَانَهُم أَرْبَابَاً مِنْ دُونِ اللهِ) (٢).
وقد جعلوا من المسيح بن مريم معبوداً لهم أيضاً : (والمَسِيحَ ابْنَ مَريْمَ) في حين : (وَمَا
__________________
(١) المراد من «تقدّموا» هنا هل هو بمعنى لا تتقدّموا أم لا؟ وقع كلام بين المفسّرين (الأوّل من باب التفعيل والثاني من باب التفعّل) ولكن جملة (بين يدي الله ورسوله) في الحالة الاولى يكون معناها عدم التقدّم على الله ورسوله ، وفي الحالة الثانية يكون مفهومها هو لا تقدّموا شيئاً على الله ورسوله وأوامرهما والمعنى الأوّل هو الأنسب.
(٢) «احبار» جمع «حبر» أو «حِبر» ويعني في الأصل الأثر الجميل ثمّ اطلق على العالم والمفكّر بسبب الآثار الجميلة التي تبقى منهما بين الناس وهذه الكلمة تستعمل في الغالب في علماء اليهود وقد تطلق أحياناً على غيرهم كما لقّبوا ابن عبّاس ب (حبر الامّة).
«رهبان» جمع «راهب» وقال البعض : إنّ هذه الكلمة لها معنى المفرد والجمع وتعني في الأصل الشخص الذي يتّصف بخوف الله ويظهر ذلك على أعماله ، وتطلق عادةً على مجموعة (التاركين للدنيا) من النصارى وهي مجموعة هجرت الحياة والإكتساب والعمل بل والزواج أيضاً واشتغلوا بالعبادة في الدير (مفردات الراغب ، العين ، نهاية ابن الأثير ، وتفاسير الميزان ، الكبير ، روح المعاني ؛ وروح البيان ؛ والمراغي).