٣ ـ برهان الوجوب والإمكان (الغنى والفقر)
تمهيد :
استدل الفلاسفة والمتكلّمون (علماء العقيدة) بأدلةٍ مختلفة لإثبات وجود الله سبحانه ، والبعض منها ذات اصول مشتركة ، ومن هذه الأدلّة برهان (الوجوب والإمكان) وبرهان (العلّة والمعلول) ، وستأتي تفصيلاتهما تباعاً بإذن الله.
وبما أنّ هذه الاستدلالات تكون ذات شروح مختلفة لذا فإنّا نشير إليها بصورة مستقلّة مع الإشارة إلى اصولها المشتركة.
إن الأساس في برهان «الوجوب والامكان» أو «الغنى والفقر» يرتكز على مبدأ حاجة وفقر المخلوقات ، فعندما ننظر إلى أنفسنا وسائر الموجودات في العالم ، نراها دائماً في حالة عوَزٍ وحاجة ، فالحاجة إلى ماحولها يكاد يكون أمراً بديهياً.
إن الحاجة والفقر الشامل في هذا العالم يدل على وجود مصدر عظيم للغنى وعدم الحاجة ، وهذا المصدر نطلق عليه لفظ الجلالة «الله» سبحانه وتعالى (١).
وبعبارة اخرى إنّنا نجد كلّ موجود في هذا العالم تابع ، ولا يمكن لهذه التبعية أن تكون إلى ما لا نهاية ، والعالم عبارة عن مجموعة من التبعيات ، ممّا يدلّ على وجود ذات مستقلّة قائمة بذاتها في هذا العالم تتبعه هذه (التبعيات) وتستند إليه.
بعد هذا التمهيد نرجع إلى القرآن الكريم لنتأمل خاشعين في الآيات التالية :
__________________
(١) التعبير بـ (إنّ الله غني حميد) وأمثاله جاء في عشر آيات قرآنية ، في البقرة ، ٢٦٧ ؛ إبراهيم ، ٨ ؛ الحجّ ، ٦٤ ؛ لقمان ، ١٢ ؛ لقمان ، ٢٦ ؛ الحديد ، ٢٤ ؛ الممتحنة ، ٦ ؛ التغابن ، ٦ ؛ النساء ، ١٣١ ؛ والآية أعلاه كما أنّ وصف الله بالغنى ورد في آيات أكثر عدداً ، وهذا التأكيد والتكرار القرآني في هذا الصدد يحكي أهميّة المضمون في هذا التعبير.