والإستغناء ، وهذا هو أوّل الكلام وآخره.
على هذا الأساس فإنّ الله سبحانه لا يحتاج إلى عبادتنا وطاعتنا أبداً ، كما لا يحتاج إلى مدح وثناء ، بل إنّ طاعتنا وعبادتنا لهُ ومدحنا وثناءنا عليه هي جزء من احتياجنا إليه وسبب لتكاملنا المعنوي والروحي ، حيث إنّنا كلّما اقتربنا من منبع النور فإنّا نزداد نوراً ، وكلما اقتربنا من المصدر الفيّاض ذاك فإنّا نستفيد أكثر ، وبتمثيل ناقص إنّنا كالنباتات والأشجار التي تستقبل نور الشمس دون أن تحتاج إليها الشمس.
إنّ فهم هذه الحقيقة يقدّم للبشر درساً في التوحيد حتّى لا يخضعوا إلّاإلى الله ولا يُطأطئوا رؤوسهم ويستسلموا لغيره وأن يمدّوا يد الحاجة إليه لأنّهُ (غني وكريم ورحيم وودود).
إنّ الإنتباه إلى هذه الحقيقة له الأثر البالغ في تربية الإنسان ، فمن جهة يخرجه من حالة الغرور وعبادة هوى النفس ، ومن جهة اخرى يحرّره من جميع القيود ويجعله غنيّاً عن سواه ، وبهذه الرؤية والفهم سوف لا يضيع في عالم الماديات ، ويتوجّه دائماً إلى مسبّب الأسباب.
وهنا لابدّ من الإلتفات إلى أمرين :
الأوّل : أنّ الله هنا (في الآية) قد وُصف ب (الحميد) بعد وصفه بـ (الغني) ، وكما أشرنا أنّ هذا التعبير قد تكرّر في عشر آيات ممّا يدلّ على وجود نقطة مهمّة فيه ـ هي كما يحتمل ـ : إنّ الكثير من الأغنياء يتّصفون بصفات ذميمة نظير الكبر والغرور والحرص والبخل ، حتّى لو كان لدى أحد إخوانهم نعجة واحدة ولديهم ٩٩ نعجة فانّهم سيصرّون على أن يسلبوه نعجته ، إلى حدّ يتبادر في ذهن الكثير بأنّ لفظ (الغني) تعني الظلم والكبر والبخل ، في حين أنّ الله سبحانه في عين كونه غني فهو رحيم وعفو وغفور ، ولذا هو أهل لكلّ مدح وثناء.
أجل ، إنّ «الغني» الوحيد المُبرَّأ من كلّ عيب ونقص وذو الفضل واللطف والرحمة هي الذات المقدّسة.
الثاني : أنَّ المخاطبين في الآية هم البشر فقط : (يَاأَيُّهَا النَّاسُ) فلماذا لم تذكر الموجودات الاخرى في حين أنّها فقيرة إلى الله أيضاً؟