على أيّ حال فإنّ من الملفت أنّه هو الذي تفضّل بالهبات كلّها ووهبها للعباد ثمّ يطلب منهم أن ينفقوا في سبيل الله ، وهذه مقدّمة لهباتٍ أكبر.
ولا ينحصر هذا في قضيّة الإنفاق فحسب ، بل يجري في كلّ التكاليف وتعود بنتائجها على العباد أنفسهم.
وقد جاء هذا المضمون في آيات عديدة منها ما تضمّنته هذه الآية حيث نقرأ : (قُلْ مَا سَأَلتُكُم مِّنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُم إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلىَ اللهِ). (سبأ / ٤٧)
وكما جاء في قوله تعالى : (وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّما يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ ، إِنَّ اللهَ لَغَنِىٌ عَنِ العَالَمِينَ). (العنكبوت / ٦)
* * *
والآية الثالثة والأخيرة من بحثنا تُصوِّر هذا المضمون (الفقر العامّ للموجودات والغنى المطلق لله) في حُلّة جديدة وجميلة وتقول : (يَسئَلُهُ مَنْ فِى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ).
وكلّ يوم هو في شأن ومنح مواهب جديدة : (كُلَّ يَومٍ هُوَ في شَأْن).
وبملاحظة الفعل المضارع (يسأل) والذي يدلّ على الاستمرار ، وملاحظة ما للآية من معنى واسع يشمل البشر جميعاً والملائكة وسكنة السماء والأرض (وباحتمال قوي يشمل كلّ الموجودات العاقلة وغير العاقلة ، والتعبير بـ (من) الذي يستعمل للعاقل هو للتغليب) وملاحظة أنّ الآية لم تذكر الموضوع المسؤول عنه فيدلّ ذلك على شمولية الآية ، وسيكون مفهوم الآية هو أنَّ كلّ الموجودات في عالم الخليقة تستمدّ الفيض من مبدأ الفيض بلسان حالها بصورة دائمة ومستمرّة ، (فيض الوجود ومتعلّقاته).
وليس هذا الطلب من ذات ممكن الوجود في حالة الحدوث فحسب ، بل في البقاء أيضاً يكون محتاجاً إلى واجب الوجود وفي كلّ لحظة يطلب منه الوجود.
وقد ورد هذا المعنى بتعبير واحد تقريباً في تفسير (روح البيان) و (روح المعاني) حيث جاء فيهما «.. قاطبة ما يحتاجون إليه في ذواتهم ووجوداتهم حدوثاً وبقاءً وسائر أحوالهم