٢ ـ شمولية قانون العلّية وسعة تطبيقاتها
طبقاً لما يقوله بعض المحقّقين ، كان قانون العلّة والمعلول أوّل قضيّة شغلت الفكر البشري من بين القضايا الفلسفية ماضياً وحاضراً ودفعت البشر للتفكير من أجل اكتشاف ألغاز الوجود ، وأهمّ دافع للتفكير لدى الإنسان الذي يمتلك القدرة على التفكير هو فهم قانون (العلّة والمعلول العامّ) الذي يثبت أنّ لكلّ حادثة علّة وهو السبب في تبادر مفهوم (لماذا) في الذهن البشري ، ولو لم يتعرّف الذهن البشري على مفهوم العلّة والمعلول العامّ ولم يذعن لقانون العلّية لم يكن ليخطر في ذهنه مفهوم (لماذا)؟ (١)
هذه ال (لماذا) هي الأساس لكلّ العلوم والأفكار البشرية والتي دفعت الإنسان للبحث عن الجذور والنتائج لهذا العالم وحوادثه المختلفة.
وبعبارة اخرى : إنّ جميع العلوم البشرية انعكاس لقانون العلّية ، ولو سُلب هذا القانون من البشر فإنّ هذه العلوم سوف تفقد كل محتوياتها.
وكذلك لو فقدنا قانون (العلّية) فإنّ (الفلسفة) أيضاً سوف تتزعزع بكلّ فروعها ، وعليه فإنّ العلوم والأفكار والفلسفة مبنيّة على هذا القانون.
٣ ـ جذور معرفة قانون العلّية
كيف توصّل الإنسان إلى قانون العلّية؟
للإجابة عن هذا السؤال لابدّ أن نرجع إلى الوراء لنستقريءَ حياتنا في الصغر ، عندما ينضج عقل الإنسان وتكتمل قابلية التمييز لديه ، فالطفل عندما يمدّ يده إلى النار فيحسّ بألم الإحتراق ، وعندما يعيد هذا العمل ويتكرر الإحساس نفسه يتيقّن شيئاً فشيئاً بوجود علاقة بين أمرين (مسّ النار والشعور بألم الإحتراق).
وهكذا حينما يحس بالعطش ويشرب الماء فانّه يشعر بالراحة وزوال العطش ويتكرّر هذا العمل حتّى يتيقّن بوجود علاقة بين العطش وشرب الماء ، وعندما تتكرّر هذه التجارب
__________________
(١) أصول الفلسفة ، ج ٣ ، ص ١٧٥ (اقتباس واختصار).