عامّة الناس يعرفون قانون العلّية حتّى الأطفال منهم ، ولا شكّ في أنّ ذلك حصل لهم من خلال التجارب الخارجية والحسّية كما أسلفنا ، غير أنّ العقل ما لم يحلّل هذه التجارب وما لم يجعل من القضايا الجزئية أمراً عامّاً ، فنحن لا ندرك (قانون العلّية) ، وعليه فإنّ الأساس في معرفة هذا القانون هو التجربة إضافة إلى العقل ، ولعلّ ابن سينا يقصد ذلك ولا يمكن قبول غيره ، بَيدَ أنّا لا ننكر أنّ الفلاسفة والعلماء يسهل عليهم معرفة العلّية من خلال الأفعال النفسية كما يمكن ذلك عن طريق الحسّ.
كما أنّ ثمّة طريق استدلال واضح يوصل إلى هذا الأمر ، وهو أنّنا لو أنكرنا قانون العلّية وجب أن لا يكون شيء شرطاً لشيء ، وسوف ينشأ كلّ شيء من أي شيء ، بل يجب رفض مناهج الاستدلالات العقلية أيضاً ، وللوصول إلى نتيجة منطقية ـ مثلاً ـ يجب أن لا نستفيد من أدلّة خاصّة ، بل إنّنا نصل من كلّ مقدّمة إلى أيّة نتيجة نتوخّاها ، وهذا ما لا يتقبّله أي عاقل قطعاً.
ينبغي إذن أن نذعن بعلاقة العلّية في الخارج وفي الامور العقلية.
٤ ـ أقسام العلّة
العلّة لها مفهوم واسع وأقسام عديدة :
العلّة التامّة وتعني أنّ الشيء إذا وجد فإنّ معلوله سوف يوجد مباشرة.
والعلّة الناقصة وتعني أنّ الشيء يحتاج ـ في وصوله إلى المعلول ـ انضمام امور اخرى ، كما تقسّم العلّة إلى (العلّة الفاعلية) و (الغائية) و (المادّية) و (الصورية) وهذه تقسيمات مشهورة يمكن إيضاحها بمثال بسيط :
لو لاحظنا ملابسنا التي نرتديها لوجدناها لكي توجد يجب توفّر المادّة (كالقطن والصوف) ثمّ تحويلها إلى قماش مناسب ثمّ تباشرها يد الخيّاط لخياطتها ، ومن الأكيد أنّ الخيّاط يصنع اللباس لهدف خاصّ وهو الإنتفاع منه.
تعتبر المادّة الأصلية هي (العلّة المادّية) والصورة التي اعطيت لها هي (العلّة الصورية)