و (القولية) أي أنّه شهد على وحدانيته بعرض آيات عظمته في عالم الوجود وفي الآفاق وفي الأنفس من جهة ، وكذلك من خلال آيات التوحيد النازلة في الكتب السماوية من جهة اخرى.
في حين ذكر بعض المفسرين الشهادة القولية وحدها ، وذكر بعض آخر الشهادة الفعلية ، بيد أنّ مفهوم الآية يتضمّن ـ بالتأكيد ـ شهادة أعلى وأرفع من هذه ، بل هي أهمّ مصداق للشهادة وهي أنّ ذاته شاهدة على ذاته كمصداق لما ورد : «يامن دلّ على ذاته بذاته» انّه سبحانه أفضل دليل على وجوده وهو الهدف الذي يقصده برهان الصدّيقين.
ولا مانع من اجتماع المعاني الثلاثة (الشهادة الذاتية والفعلية والقولية) في مفهوم الآية. وقد استنتج البعض من عبارة (قائماً بالقسط) بأنّ آيات العدل والنظم والتقدير في عالم المخلوقات هي مصداق بيّن لشهادته سبحانه وتعالى على وحدانيته ، وهو استدلال جيّد (ولا ضير في انفصال الملائكة عن (اولو العلم) كما يشير تفسير الميزان إلى هذا المعنى) ، كما لا يمنع من عمومية الآية وسعة مفهومها وشمول ما قلنا.
وكما ذكرنا من قبل فإنّ القائم بالعدل يحتاج إلى العلم والقدرة ، وهاتان الصفتان موجودتان في ذاته المقدّسة واتّصاف الباري بـ (العزيز الحكيم) في ذيل الآية إشارة إلى هذا المعنى الدقيق.
* * *
إحاطة الوجود الإلهي :
الآية الثالثة ـ بعد الإشارة إلى الجيوش الجرّارة التي واجهت أنبياء الله وحاربتهم وذكر نموذجين متميزين أحدهما في العصور القديمة وهم (قوم ثمود) وثانيهما في العصور المتأخّرة وهم (قوم فرعون) : (بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِى تَكْذِيب).
التعبير بـ (في) ـ ويستعمل عادةً لبيان الظرف والمظروف ـ تعبير جميل وفيه إشارة إلى أنّ الكفّار غارقون في تكذيب الحقائق ، والمراد من الكفّار هم الكفّار المعاندون في عصر