ومن البديهي أنّ الموجود المحدود يكون موضعه إمّا في البداية أو النهاية ، وإمّا في ظاهر الأشياء أو باطنها ، واتّصاف الله سبحانه بأنّه الأوّل والآخر والظاهر والباطن هو لكونه وجوداً غير متناه ولا محدود.
هو نور العالم :
في الآية الخامسة والأخيرة نقرأ في جملة قصيرة وغزيرة المعنى :
(اللهُ نُورُ السَماوَاتِ وَالأَرض).
ويعقّب هذه العبارة تشبيه جميل وجذّاب لهذا النور الإلهي يشكّل ميداناً واسعاً لبحوث المفسّرين الأعلام للقرآن ، وبما أنّ الشاهد في هذا البحث هو العبارة الاولى ، فإنّا نشرع بتبيانها وشرحها :
من الطرق الهامّة في تفهيم الحقائق المعقّدة هو استعمال التشبيهات البليغة بغية تقريب الحقائق العلمية إلى الذهن بضرب الأمثلة الحسّية ، وهنا قد استفيد من هذه الطريقة (وإن كانت الأمثلة بشأن الله تعالى ناقصة لعدم وجود مثيل لذاته) ولإدراك حقيقة هذا المثال لابدّ من التدبّر في معنى النور وصفاته وخصائصه وبركاته ، ولا ريب في أنّ النور من أجمل الموجودات المادية وألطفها وأكثرها بركة ، وتنتشر منه البركات والجمال في عالم المادّة.
فنور الشمس منبع الحياة والسرّ في بقاء الموجودات الحيّة والعنصر الفاعل في نمو النبات والزهور وجميع الأحياء.
النور هو المصدر الأساس للطاقات ، نظير حركة الرياح ، وهطول الأمطار ، والعنصر الأساس في وجود المحروقات (البترول والفحم الحجري) ولو تبدّل نور الشمس إلى ظلام فسوف تتوقّف كلّ حركة في العالم.
والنور واسطة لمشاهدة الموجودات المختلفة والمظهر لها ، هذا وانّ حركة الأمواج والذرّات الضوئية هي أسرع الحركات المتصوّرة في عالم المادّة ، حيث تبلغ سرعتها (٣٠٠ ألف كم) في الثانية ، وهذا يعني أنّ النور في طرفه عين يدور حول الأرض سبع مرّات.