وأخيراً فإنّ نور الشمس أفضل عامل على تلطيف البيئة والقضاء على مختلف أنواع الجراثيم الضارّة وإزالة الموانع عن طريق الحياة البشرية ، وبملاحظة هذه الخصائص التي يتّصف بها النور المحسوس يتّضح عمق تشبيه ذات الله المقدّسة بالنور.
نعم ، إنّ وجوده تعالى هو النور الذي يظهر الوجودات ويحفظها ، ومنه تنبع الحياة المعنوية والمادية ، ويصدر كلّ جمال في العالم ، وكلّ حركة نحو الكمال تنبع من وجوده المقدّس ، وكلّ هداية تتحقّق برعايته.
وهو الذي يرفع الموانع عن طريق عباده ، وهو الهادي للإنسان في طريق الكمال والقرب لذاته ، وبكلمة واحدة كلّ ما في العالم قائم بذاته المقدّسة.
وهناك سؤال يطرح نفسه وهو : هل النور الذي يُظهر الأشياء يحتاج إلى مظهر؟ وهل الموجودات التي يُظهرها النور تكون أكثر ظهوراً من النور نفسه لتكون معرفة له؟
وبتعبير أدق : ما هي الوسيلة التي يمكن مشاهدة النور بها غير النور نفسه؟ وهذا هو الأساس في برهان الصدّيقين.
وقد ذكر المفسّرون عدّة احتمالات في تفسير هذه الآية لا تنافي بينها ، نظير الموارد الكثيرة الاخرى ، ويمكن الجمع بينها ، أي أنّ كلّ مفسّر منهم لاحظ ـ في الحقيقة ـ الآية من زاوية معيّنة.
وقد قال الكثير بأنّ جملة : (اللهُ نُورُ السَمَاواتِ وَالأَرض) تعني (المنوّر للسماوات والأرض).
وقد فسّرها البعض الآخر بـ (الهادي لمن في السماوات والأرض) تبعاً للرواية التي وردت عن الإمام الرضا عليهالسلام في هذا الشأن حيث قال :
«هادٍ لأهل الأرض» أو «هادٍ لأهل السماوات وهادٍ لأهل الأرض» (١).
وفسّرها البعض الآخر بمعنى الطاهر المنزَّه من كلّ عيب في جميع السماوات والأرض.
وفسرها آخرون بمعنى المُدبر لشؤون السماوات والأرض.
__________________
(١) تفسير البرهان ، ج ٣ ، ص ١٣٣ ، ح ١ و ٢ ؛ وتفسير نور الثقلين ، ج ٣ ، ص ٦٠٣.