٦ ـ الطريق الباطني لمعرفة الله (الفطرة)
تمهيد :
(الإدراكات العقلية) ـ كما نعلم ـ تشكّل جزءً من المضمون الروحي لدى الإنسان ، أي أنّ الإنسان لا يصل إلى كلّ شيء عن طريق الدليل العقلي ، بل إنّ المتطلّبات والمكتسبات الفطرية الغريزية تشكّل جزءً مهمّاً من المحتوى الروحي فيه ، حتّى أنّ الأساس في الكثير من الأدلّة العقلية قائم على هذه المكتسبات الفطرية ، في حين تنشأ المتطلّبات والمكتسبات في الحيوانات عن طريق الغريزة فقط.
وفي الحقيقة فإنّ الذين قاموا بتحديد الإنسان بالبعد العقلي لم يعرفوا تمام الأبعاد الوجودية للإنسان.
ومن المتّفق عليه أنّ طريق الباطن من الطرق المهمة في مسألة (معرفة الله) التي لها طرق لا تحصى ، والإنسان هنا يسلك أقصر الطرق ، فبدلاً من (المعرفة) يصل إلى (الوجدان) ، ومن (التفكير) إلى (الرؤية) ، وبدلاً من إعداد (المقدّمات) يصل إلى ذي المقدّمات.
إنّه طريق عظيم ، مثير للنشاط والحيوية ومريح.
وقد اعتمدت آيات قرآنية عديدة على هذا المعنى وجاءت بتعابير جميلة.
بعد هذا التمهيد نتأمل خاشعين في الآيات الآتية :
١ ـ (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللهِ الَّتِى فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَاتَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذلكَ الدِّينُ القَيِّمُ وَلَكِنَّ أكْثَرَ النّاسِ لَايَعْلَمُونَ). (الروم / ٣٠)
٢ ـ (وَإذا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهمُ مُّنِيبِينَ إِلَيهِ ثُمَّ إِذا أَذاقَهُمْ مِّنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ بِرَبِّهمْ يُشْرِكُونَ). (الروم / ٣٣)