عند مواجهة الأزمات :
في الآيات الثانية والثالثة والرابعة التي يدور البحث حولها (وبتعابير مختلفة) هناك إشارة إلى قضيّة عامّة وهي أنّ الإنسان حينما يواجه الصعوبات والبلاء الشديد ويعجز عن استخدام الوسائل الطبيعية يلجأ إلى فطرته الأصيلة فيشرق في أعماق قلبه نور المعرفة الإلهيّة بعد اختفائه ، ويتذكّر مبدأ العلم والقدرة الذي لا نظير له والذي يسهل عليه حلّ المشكلات كلّها.
ورد في قسم من الآية قوله : (وَاذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا ربَّهُم مُّنِيبِينَ إِلَيهِ).
ولكن بعد انتهاء الأزمة وهبوب رياح الرحمة ، فإنّ مجموعة منهم يعودون إلى شركهم (ثُمَّ إِذَا اذاقَهُم مِّنهُ رَحمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِّنهُمْ بِربِّهمْ يُشرِكُونَ).
وفي موضع آخر يذكر هذا المعنى مقروناً بذكر مصداق واضح من الصعاب والمشكلات حيث تقول الآية : (فَاذَا رَكِبُوا فِى الفُلكِ) «وأحاطت بهم الأمواج العظيمة والأعاصير المخيفة وامتلأت قلوبهم رعباً وهلعاً» (دَعَوُا اللهَ مُخلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُم إِلَى البَرِّ إِذَا هُم يُشرِكُونَ).
وقد أشارت آية اخرى إلى اخطار البحر هذه ، بصورة جميلة اخرى حيث تقول بأنّ الله هو الذي يُسيّركم في الصحارى والبحار وعندما تركبون السفينة وتحرّككم الرياح الطيّبة الهادئة إلى أهدافكم والجميع يغمرهم الفرح والسرور ، وفجأة تهبّ الأعاصير ويهيج البحر وتأتي الأمواج من كلّ جهة فتهدد الراكبين في السفينة حتّى يروا الموت بأعينهم وينتابهم اليأس من الحياة يتذكّرون الله فيدعونه مخلصين ويعاهدونه على أن يكونوا شاكرين له إذا نجّاهم من الهلاك (شكراً مصحوباً بالمعرفة) :
(هُوَ الَّذِى يُسَيِّرُكُم فِى البَرّ وَالبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُم فِى الفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِريحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجاءَهُم المَوجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا انَّهُم احِيطَ بِهِم دَعَوُا الله مُخلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِن أَنجَيتَنَا مِن هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ).
ولكن هؤلاء عندما ينجّيهم الله من الأخطار الموحشة ويوصلهم إلى ساحل الأمان