وقد حدث مراراً أن تهب الأعاصير وتحمل الحصى والرمال إلى السماء وتلقيها في نقاط اخرى ، وقد تطمر تحتها قافلة بأكملها.
الله الذي يأمر الأمواج في البحار ـ إذن ـ قادر على أن يتّخذ من الأعاصير والزلازل في الصحارى جنوداً يهلك بهم الفاسدين.
ويتبع هذه الآية جواب آخر حيث يقول :
(أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعيْدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرى فَيُرسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفاً مِّنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُمْ بِمَا كَفَرْتُمْ ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعاً). (الإسراء / ٦٩)
أي أنّكم تظنّون أنّ هذه هي رحلتكم البحرية الأخيرة؟ إنّه خطأ كبير.
إقرار المشركين :
وتتضمّن الآية الخامسة حتّى التاسعة من آيات البحث حديثاً حول هذا المضمون :
(وَلَئِنْ سَأَلتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ السَّمَاواتِ وَالأَرضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ العَزِيزُ العَليمُ).
وأيضاً : (وَلَئِنْ سَأَلتَهُمْ مَّنْ خَلَقَهُم لَيَقُولُنَّ اللهُ).
وأيضاً : (قُلْ مَنْ يَرزُقُكُمْ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرضِ أَمَّنْ يَملِكُ السَّمعَ وَالأَبصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الحَيَّ مِنَ المَيِّتِ وَيُخْرِجُ المَيِّتَ مِنَ الحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللهُ).
ولو سألت عبدة الأوثان ـ عن خلق كلّ فرد من المخلوقات وكيفية تدبير امورها فانّهم يقرّون بأنّ الله وحده هو الخالق والمدبّر!!
إنّ هذه الآيات القرآنية وأمثالها (١) من الشواهد الحيّة على التوحيد الفطري ، ومن الممكن أن تكون هذه الإجابة المتناسقة نتيجة للاستدلال العقلي أيضاً وذلك عن طريق برهان النظم ، ولكن بملاحظة أنّ المشركين العرب اناسٌ امّيون وبعيدون عن العلم والفكر والاستدلال ، فإنّ هذا التناسق في الإجابة يدلّ على أنّها كانت تنبع من فطرتهم وهم في ذلك سواء وبدون استثناء ، وإلّا فإنّ الاستدلالات العقلية مهما كانت واضحة فانّها لا يمكن أن
__________________
(١) العنكبوت ، ٦٣ ؛ لقمان ، ٢٥ ؛ الزمر ، ٣٨.